والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون .
البلد: الأرض، وهي الأرض ذات التربة الخصبة المشتملة على كل ما يتكون منه النبات أو الغراس مع الماء والحرارة، وما تقتضيه طبيعة النبات، وما يكون غذاء له، والأرض الخبيثة أو البلد الخبيث ما تكون تربته غير منبتة كالحجارة أو ما يشبهها، وكالأرض التي تكون قريبة من المالح، فيكون ملحها مفسدا لطينتها وخصبها، وخبيثها حجارتها وسبخها وكل ما لا ينبت، ومنه الرمال التي لا تحبس الماء، فالبلد الطيب يخرج نباته طيبا غزيرا كثيرا يشبع، ويرضى الزارع بإذن الله، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا، أي القليل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، فالنكد هو القليل، هو يصيب الزارع بنكد وغم وحزن، وكأنه ينبت ذلك النكد الذي لا طيب فيه ولا نفع منه.
وإن ذلك مثل لتقسيم الأرزاق، فمن الناس من رزقه الله تعالى أرضا طيبة تأتي له بالخيرات والثمرات، ومن الناس من اختبره الله بأرض خبيثة لا تخرج إلا [ ص: 2875 ] نكدا، وهذه تدعوه إلى أن يبحث عن أرض خير منها فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور وأن يبحث عن خيرات الأرض من باطنها مما اختزنته من معادن وفلزات وكنوز وأحجار وماس، وكل ما له نفاسة، فكل أرض الله تعالى لا تخلو من خير.
وهذا معناه أنه لا يمكن أن يمحى الفقر والغنى أو يذاب ما بينهما من فروق كما يقول الجهلاء الذين لا يؤمنون بشيء، وقد نقص إدراكهم عن أن يصل إلى حقائق الوجود، وإن تزعموا وتحكموا، وحكموا بالباطل.
وإن بيان معاني هذه الآية المحكمة على أنها حقيقة تبين قدرة الله وتصريف خيرات الوجود بمقتضى علم الله تعالى، وتدبيره وحكمته، وأن بلاد الله فيها الطيب الذي يحييه خير الله، وينزل الماء فيه، وفيها الجدب الخبيث الذي لا ينبت إلا نكدا، وإن كان قد ضم باطنه خيرا آخر، لا في الطعام والثمر والزرع، ولكن في منافع الناس.
وقد رأى - رضي الله تعالى عنهما - أنه مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، فالمؤمن كالبلد الطيب يخرج نباته وثماره بإذن ربه، فقلب المؤمن كالأرض الرطبة لا يكون منها إلا ما هو طيب، وقلب الكافر خبيث كالبلد الخبيث الذي لا ينتج إلا نكدا قبيحا وشرا. ابن عباس
وإنا نقول غير جامعين بين الحقيقة والمجاز: إن الآية تدل على تصريف الله تعالى، وتشير عن بعد إلى قلب المؤمن وقلب الكافر وتقاربهما من البلدين، الأول من البلد الطيب، والثاني من البلد الخبيث.
وقد روى ، عن البخاري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أبي موسى ». مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما [ ص: 2876 ] هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به
ولقد ختم الله تعالى الآية الكريمة بقوله تعالت كلماته: كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون التشبيه والإشارة هنا (كذلك) الذي رأيت من تصريف القول من بخلق السماوات والأرض في ستة أيام، وبيان النعم في الإنبات والإثمار، وإخراج كل ما هو نافع للأحياء - كهذا الذي رأيت نصرف الآيات، ونبينها في تصريف محكم مقرب للنفوس، أي كهذا التصريف في ذكر هذه الآيات نصرف في بيان الحقائق دائما لقوم من شأنهم الشكر، وتقبل النعمة بالقيام بحقها; ولذا عبر بالمضارع الدال على تجدد الشكر المنبعث من النفس الإنسانية المؤمنة، والله غفور شكور. بيان نعمة الله على الوجود