إذا كان الناس يضلون في تفكيرهم الجماعي، فلا تطعهم لأنهم يظنون ظنا، والظن لا يغني من الحق، فإن الله هو الذي يعلم من يضل، ومن يهديه، ولذلك قال: إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله
أكد الله سبحانه وتعالى وهنا أمور بيانية نشير إليها: أنه هو وحده الذي يعلم علما لا يدانيه علم بمن يضل عن سبيله،
أولها: أن الله سبحانه وتعالى عبر بـ: " ربك " وهو إشارة إلى كمال علمه الخاص بالأنفس؛ لأنه ربها الذي كونها، وربها وقام عليها، ووجهها إلى النجدين، نجد الخير ونجد الشر.
[ ص: 2643 ] ثانيها: أن " أعلم " بصيغة أفعل التفضيل، وليست على بابه; لأنها إذا كانت على بابه تكون موازنة بين علمه تعالى وعلم غيره، وعلم غيره لا يوزن به علم الله تعالى؛ إذ هو علم نسبي، وعلم الله تعالى علم إحاطة شاملة، ومعنى "ربك أعلم"، أنه سبحانه وتعالى يعلم من يضل، ومن يهتدي علما ليس فوقه علم ولا يصل إليه علم كائنا لمن كان.
ثالثها: أن قوله: من يضل عن سبيله فيه حرف جر حذف دل عليه قوله تعالى بعد ذلك: وهو أعلم بالمهتدين ف: " من " : على حد تعبير النحويين منصوب بنزع الخافض.
رابعا: أن قوله تعالى: يضل عن سبيله عبر بالمضارع للدلالة على بقائه في الضلال مع تجدده، كلما جاء تارة يضل عنه، ويزداد إيغالا في الضلال، ومعنى "عن سبيله"، أي: عن طريق الهداية، والوصول إلى الحق المبين. خامسا: أن الله سبحانه وتعالى أكد علمه الذي لا يصل إليه علم; بـ: "إن" الدالة على التوكيد، وبالجملة الاسمية، وبضمير الفصل، الذي يدل على تأكيد الخبر.
وهو أعلم بالمهتدين العطف على "هو" في الجملة السابقة، وتكرر ضمير الفصل تأكيدا للإسناد، وعبر بالصفة بالنسبة لمن لم يضلوا، تأكيدا لهدايتهم، وأنهم بسلوكهم طريق الحق، قد أنار الله تعالى قلوبهم، فكانوا مهتدين بهدايته.