ابتدأ
شعيب دعوته في قومه بعد ذكر الأمانة التي توجب التصديق؛ فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=18524_32022_33954_34361_34438_28997nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=181أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين nindex.php?page=treesubj&link=18524_32022_33954_34438_28997nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=182وزنوا بالقسطاس المستقيم nindex.php?page=treesubj&link=18524_32022_32516_33954_34361_34438_28997nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=183ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ؛ يظهر أن
مدين؛ أو أصحاب الأيكة؛ كانوا قوما تجارا؛ وإن الشرائع السماوية جاءت لمنع الاعتداء على المال؛ وعلى الأنفس؛ وإذا كانوا تجارا؛ كأهل
مكة؛ فإن أخص ما يدعون به ألا يطففوا الكيل والميزان؛ ولذا كانت أخص دعوة
شعيب بعد التوحيد ألا يطففوا الكيل والميزان؛ حتى لا ينالهم الويل الذي هدد به في قوله (تعالى):
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=1ويل للمطففين nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=2الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=3وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون
قال
شعيب لقومه:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=181أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=181أوفوا الكيل أعطوه في معاملتكم وافيا؛ كامل الوفاء غير منقوص؛
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=181ولا تكونوا من المخسرين ؛ " المخسر " ؛ هو الذي ينقص المكيال؛ فيدفع معامله إلى الخسران؛ بألا يخسره؛ ولا يعطيه حقه؛ وقوله (تعالى):
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=181ولا تكونوا من المخسرين ؛ أبلغ في الدلالة من: " ولا تخسروا " ؛ لأن المعنى: " لا تكونوا من الطائفة التي اعتادت الإخسار؛ لا تكونوا في صفوفهم؛ فتصاب تجارتكم بالكساد " ؛ لأن الناس لا يقبلون على الشراء إلا ممن استقام في طريقته؛ وأعطى المتعاملين حقوقهم؛ ولأن الإخسار أكل مال الناس بالباطل؛ ولأنه ظلم؛ والظلم نتيجته وخيمة دائما.
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=182وزنوا بالقسطاس المستقيم ؛ " القسطاس " : الميزان الذي يوزن به؛ ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=182وزنوا بالقسطاس أي: زنوا بالميزان المستقيم الذي لا يظلم في ميزانه؛ بل يكون في اعتدال واضح؛ وهو
[ ص: 5403 ] يتضمن نوعين من النهي: أولهما: ألا يكون الميزان غير منتظم في رفعه وخفضه؛ والثاني: ألا يتعمد الخلل فيه؛ فيخفضه ويرفعه كما يريد؛ كما يكتال ظالما؛ وكما يكيل ظالما؛ وإن ذلك إفساد للثقة التي هي أساس التعامل العادل؛ وأكل لمال الناس بالباطل؛ وظلم مبين؛ وإفساد للعلاقات الإنسانية التي تربط الناس بعضهم ببعض.
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=183ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ؛ الأموال من حيث تقديرها تنقسم إلى قسمين: أموال مثلية؛ وحداتها متحدة في القيمة؛ إذا توافر اتحاد الجنس والنوع والصفة في جودة؛ أو رداءة؛ وهذه تقدر بالكيل؛ أو الوزن؛ وقد نهى - سبحانه - على لسان نبيه
شعيب - عليه السلام - من التطفيف فيها.
والقسم الثاني: أموال قيمية لا يحد قيمتها الكيل والوزن؛ ولكن يحد قيمتها تقويم المقومين؛ وهنا يجري فيها البخس والشطط؛ ولقد نهى - سبحانه - في هذا النص عن البخس؛ بأن تقوم بأقل من قيمتها؛ وكل نقص في القيمة هو نقص في المالية؛ فيكون فيه الظلم؛ وأكل أموال الناس؛ ولذا قال الله (تعالى) - على لسان
شعيب -:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=183ولا تبخسوا الناس أشياءهم ؛ أي: لا تنقصوا قيمة ما عند الناس؛ والمعنى الظاهر: لا تبخسوا أشياء الناس؛ ولكن عبر ذلك التعبير القرآني السامي العميق لفائدتين جليلتين؛ أولاهما: أن بخس قيم الأشياء بخس للناس أنفسهم؛ فمن بخس تقدير القيم فقد ظلم؛ وأعظم الجريمة؛ الفائدة الثانية: أن في ذلك إبهاما؛ ثم بيانا؛ فيكون ذلك توكيدا للمعنى؛ فضل توكيد.
وبعد أن نهى عن تطفيف الكيل والميزان؛ وبخس قيم الأشياء؛ نهى عن الاعتداء بشكل عام؛ فقال - عز من قائل -:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=183ولا تعثوا في الأرض مفسدين ؛
[ ص: 5404 ] وذلك يشمل إفساد زرع غيره؛ أو منع الماء عنه؛ أو إتلافه؛ أو ألا يعطيه حقه من الماء؛ أو ما يجري بين المختلطين من مساحة؛ و " العثي " ؛ أو " العثو " : الفساد النفسي؛ أو المادي؛ ونميل إلى العثي النفسي؛ والمعنى: القصد إلى العثو مفسدين؛ حال مؤكدة لمعنى العثو؛ لأن العثو يؤدي إلى الفساد في الجماعة؛ فيتقاطعون؛ ويتدابرون.
اِبْتَدَأَ
شُعَيْبٌ دَعْوَتَهُ فِي قَوْمِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَمَانَةِ الَّتِي تُوجِبُ التَّصْدِيقَ؛ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=18524_32022_33954_34361_34438_28997nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=181أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ nindex.php?page=treesubj&link=18524_32022_33954_34438_28997nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=182وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ nindex.php?page=treesubj&link=18524_32022_32516_33954_34361_34438_28997nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=183وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ؛ يَظْهَرُ أَنَّ
مَدْيَنَ؛ أَوْ أَصْحَابَ الْأَيْكَةِ؛ كَانُوا قَوْمًا تُجَّارًا؛ وَإِنَّ الشَّرَائِعَ السَّمَاوِيَّةَ جَاءَتْ لِمَنْعِ الِاعْتِدَاءِ عَلَى الْمَالِ؛ وَعَلَى الْأَنْفُسِ؛ وَإِذَا كَانُوا تُجَّارًا؛ كَأَهْلِ
مَكَّةَ؛ فَإِنَّ أَخَصَّ مَا يُدْعَوْنَ بِهِ أَلَّا يُطَفِّفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ؛ وَلِذَا كَانَتْ أَخَصَّ دَعْوَةِ
شُعَيْبٍ بَعْدَ التَّوْحِيدِ أَلَّا يُطَفِّفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ؛ حَتَّى لَا يَنَالَهُمُ الْوَيْلُ الَّذِي هَدَّدَ بِهِ فِي قَوْلِهِ (تَعَالَى):
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=1وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=2الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=3وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ
قَالَ
شُعَيْبٌ لِقَوْمِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=181أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=181أَوْفُوا الْكَيْلَ أَعْطُوهُ فِي مُعَامَلَتِكُمْ وَافِيًا؛ كَامِلَ الْوَفَاءِ غَيْرَ مَنْقُوصٍ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=181وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ؛ " اَلْمُخْسِرُ " ؛ هُوَ الَّذِي يَنْقُصُ الْمِكْيَالَ؛ فَيَدْفَعُ مُعَامِلَهُ إِلَى الْخُسْرَانِ؛ بِأَلَّا يُخْسِرَهُ؛ وَلَا يُعْطِيَهُ حَقَّهُ؛ وَقَوْلُهُ (تَعَالَى):
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=181وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ؛ أَبْلَغُ فِي الدَّلَالَةِ مِنْ: " وَلَا تُخْسِرُوا " ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: " لَا تَكُونُوا مِنَ الطَّائِفَةِ الَّتِي اعْتَادَتِ الْإِخْسَارَ؛ لَا تَكُونُوا فِي صُفُوفِهِمْ؛ فَتُصَابَ تِجَارَتُكُمْ بِالْكَسَادِ " ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُقْبِلُونَ عَلَى الشِّرَاءِ إِلَّا مِمَّنِ اسْتَقَامَ فِي طَرِيقَتِهِ؛ وَأَعْطَى الْمُتَعَامِلِينَ حُقُوقَهُمْ؛ وَلِأَنَّ الْإِخْسَارَ أَكْلُ مَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؛ وَلِأَنَّهُ ظُلْمٌ؛ وَالظُّلْمُ نَتِيجَتُهُ وَخِيمَةٌ دَائِمًا.
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=182وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ؛ " اَلْقِسْطَاسُ " : اَلْمِيزَانُ الَّذِي يُوزَنُ بِهِ؛ وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=182وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ أَيْ: زِنُوا بِالْمِيزَانِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي لَا يَظْلِمُ فِي مِيزَانِهِ؛ بَلْ يَكُونُ فِي اعْتِدَالٍ وَاضِحٍ؛ وَهُوَ
[ ص: 5403 ] يَتَضَمَّنُ نَوْعَيْنِ مِنَ النَّهْيِ: أَوَّلُهُمَا: أَلَّا يَكُونَ الْمِيزَانُ غَيْرَ مُنْتَظِمٍ فِي رَفْعِهِ وَخَفْضِهِ؛ وَالثَّانِي: أَلَّا يُتَعَمَّدَ الْخَلَلُ فِيهِ؛ فَيَخْفِضَهُ وَيَرْفَعَهُ كَمَا يُرِيدُ؛ كَمَا يَكْتَالُ ظَالِمًا؛ وَكَمَا يَكِيلُ ظَالِمًا؛ وَإِنَّ ذَلِكَ إِفْسَادٌ لِلثِّقَةِ الَّتِي هِيَ أَسَاسُ التَّعَامُلِ الْعَادِلِ؛ وَأَكْلٌ لِمَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؛ وَظُلْمٌ مُبِينٌ؛ وَإِفْسَادٌ لِلْعَلَاقَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي تَرْبِطُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ.
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=183وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ؛ اَلْأَمْوَالُ مِنْ حَيْثُ تَقْدِيرُهَا تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَمْوَالٍ مِثْلِيَّةٍ؛ وَحَدَاتُهَا مُتَّحِدَةٌ فِي الْقِيمَةِ؛ إِذَا تَوَافَرَ اتِّحَادُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ فِي جَوْدَةٍ؛ أَوْ رَدَاءَةٍ؛ وَهَذِهِ تُقَدَّرُ بِالْكَيْلِ؛ أَوِ الْوَزْنِ؛ وَقَدْ نَهَى - سُبْحَانَهُ - عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ
شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنَ التَّطْفِيفِ فِيهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَمْوَالٌ قِيَمِيَّةٌ لَا يَحُدُّ قِيمَتَهَا الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ؛ وَلَكِنْ يَحُدُّ قِيمَتَهَا تَقْوِيمُ الْمُقَوِّمِينَ؛ وَهُنَا يَجْرِي فِيهَا الْبَخْسُ وَالشَّطَطُ؛ وَلَقَدْ نَهَى - سُبْحَانَهُ - فِي هَذَا النَّصِّ عَنِ الْبَخْسِ؛ بِأَنْ تَقُومَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا؛ وَكُلُّ نَقْصٍ فِي الْقِيمَةِ هُوَ نَقْصٌ فِي الْمَالِيَّةِ؛ فَيَكُونُ فِيهِ الظُّلْمُ؛ وَأَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ؛ وَلِذَا قَالَ اللَّهُ (تَعَالَى) - عَلَى لِسَانِ
شُعَيْبٍ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=183وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ؛ أَيْ: لَا تَنْقُصُوا قِيمَةَ مَا عِنْدَ النَّاسِ؛ وَالْمَعْنَى الظَّاهِرُ: لَا تَبْخَسُوا أَشْيَاءَ النَّاسِ؛ وَلَكِنْ عَبَّرَ ذَلِكَ التَّعْبِيرَ الْقُرْآنِيَّ السَّامِيَ الْعَمِيقَ لِفَائِدَتَيْنِ جَلِيلَتَيْنِ؛ أُولَاهُمَا: أَنَّ بَخْسَ قِيَمِ الْأَشْيَاءِ بَخْسٌ لِلنَّاسِ أَنْفُسِهِمْ؛ فَمِنْ بَخَسَ تَقْدِيرَ الْقِيَمِ فَقَدْ ظَلَمَ؛ وَأَعْظَمَ الْجَرِيمَةَ؛ الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ فِي ذَلِكَ إِبْهَامًا؛ ثُمَّ بَيَانًا؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَوْكِيدًا لِلْمَعْنَى؛ فَضْلَ تَوْكِيدٍ.
وَبَعْدَ أَنْ نَهَى عَنْ تَطْفِيفِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ؛ وَبَخْسِ قِيَمِ الْأَشْيَاءِ؛ نَهَى عَنْ الِاعْتِدَاءِ بِشَكْلٍ عَامٍّ؛ فَقَالَ - عَزَّ مِنْ قَائِلٍ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=183وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ؛
[ ص: 5404 ] وَذَلِكَ يَشْمَلُ إِفْسَادَ زَرْعِ غَيْرِهِ؛ أَوْ مَنْعَ الْمَاءِ عَنْهُ؛ أَوْ إِتْلَافَهُ؛ أَوْ أَلَّا يُعْطِيَهُ حَقَّهُ مِنَ الْمَاءِ؛ أَوْ مَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُخْتَلِطِينَ مِنْ مِسَاحَةٍ؛ وَ " اَلْعَثْيُ " ؛ أَوْ " اَلْعَثْوُ " : اَلْفَسَادُ النَّفْسِيُّ؛ أَوِ الْمَادِّيُّ؛ وَنَمِيلُ إِلَى الْعَثْيِ النَّفْسِيِّ؛ وَالْمَعْنَى: اَلْقَصْدُ إِلَى الْعَثْوِ مُفْسِدِينَ؛ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنَى الْعَثْوِ؛ لِأَنَّ الْعَثْوَ يُؤَدِّي إِلَى الْفَسَادِ فِي الْجَمَاعَةِ؛ فَيَتَقَاطَعُونَ؛ وَيَتَدَابَرُونَ.