وأشار - سبحانه - إلى أن الذين كفروا مأواهم النار وبئس المصير؛ فقال - عز من قائل -: لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير ؛ بين الله (تعالى) في الآيتين السابقتين أنه بالجهاد الدائم المستمر يكون للمؤمنين الصالحين الاستخلاف في الأرض بوعد الله المؤكد؛ وبإقامة الصلاة؛ وإيتاء الزكاة؛ وطاعة الرسول؛ والأئمة العادلين من بعده؛ وفي هذه الآية يبين - سبحانه - مآل المشركين الذين يحاربون الله ورسوله والمؤمنين؛ وكان الفصل بين الجملتين وعدم الاتصال بالعطف لكمال الاتصال بين موضوع الآيتين؛ فالآيتان السابقتان فيهما بيان ما للمؤمنين من منزلة؛ وما تحلوا به من طاعة للرسول؛ والآية الأخيرة فيها بيان المخالفة والمعاندة؛ وفوق ذلك الآية الأولى تبين غاية الجهاد؛ والثانية حال الذين يجاهدهم المؤمنون.
والنهي عن الحسبان والظن؛ وهو في معنى النفي؛ أي: لا يصح لمثلك يا رسول الحق والتوحيد أن تظن أن الذين كفروا معجزين في الأرض؛ بل جاهدهم وأنت الغالب؛ والله ناصرك؛ والعاقبة للمتقين الأبرار؛ لا للكفار الفجار. [ ص: 5224 ] والتعبير بالموصول؛ وهو الذين كفروا ؛ يشير إلى السبب في نصر المؤمنين؛ وخذلان الكافرين؛ وقوله (تعالى): معجزين في الأرض ؛ أي أنهم غالبون في الأرض لا يعجزهم شيء؛ فإن الكافرين يحملون في نفوسهم عوامل عجزهم; لأنهم تسيطر عليهم الأهواء؛ وهم بعيدون عن الحق؛ فمن غالبهم يغلبهم بعون الله (تعالى) وتأييده؛ والله يؤيد من يشاء بنصر من عنده.
وإن نتيجة الحياة الدنيا لهم أن يكونوا في الآخرة في جهنم؛ ولذا قال (تعالى): ومأواهم النار ولبئس المصير ؛ " المأوى " : المكان الذي يأوي إليه المسافر؛ أو العامل الكادح؛ فالتعبير عن النار بأنها مأوى فيه نوع من التهكم عليهم؛ و " بئس " ؛ لفظ يدل على الذم؛ والنار تذم لأنها عذاب؛ ولأنهم خالدون فيها؛ وقد أكد - سبحانه - الذم باللام؛ ولبئس المصير