حالهم في غفلتهم وإعراضهم
قال (تعالى): قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات [ ص: 5092 ] والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون
الآيات هي الآيات القرآنية؛ بدليل التعبير بقوله: " تتلى " ؛ و " التلاوة " : القراءة المرتلة؛ التي تجيء الكلمة تلو الكلمة واضحة في نطقها؛ متقنة في صرفها عند النطق؛ مستوفية مدها؛ وهي الترتيل؛ كما قال (تعالى): ورتل القرآن ترتيلا ؛ وكما قال (تعالى): ورتلناه ؛ وإن القرآن الكريم قد تواتر كتابة؛ وقراءة؛ وترتيلا؛ وهو في ترتيله قد تلقاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل؛ علمه الله (تعالى) إياه.
وقد أكد - سبحانه وتعالى - بـ " قد " ؛ الدالة على التحقيق؛ و " كانت " ؛ تدل على استمرار التلاوة؛ ولكنهم ما كانوا ليتبعوها؛ ويتدبروها؛ ويتعرفوا مراميها وغايتها؛ معتبرين بعبرها؛ متأولين مآلها؛ بل إنهم يستمعون بآذانهم؛ وقلوبهم لاهية؛ وعقولهم معرضة؛ ولذا قال (تعالى): فكنتم على أعقابكم تنكصون ؛ الفاء عاطفة؛ " كنتم " ؛ معناها أن هذه كانت حالا دائمة مستمرة؛ لا يستمعون إلا بآذانهم؛ وقلوبهم معرضة؛ وقوله (تعالى): على أعقابكم تنكصون ؛ هذا التعبير تصوير للإعراض؛ يظهر حسيا كيف كان إعراضهم عن الحق؛ تنكصون ؛ أي: ترجعون وراءكم؛ ووجوهكم كأنها مقبلة؛ فهم يرجعون القهقرى بأدبارهم؛ ويسيرون إلى الوراء بأعقابهم؛ وقد جاء في قراءة شاذة منسوبة " فكنتم على أدباركم " ؛ ولعلها تفسير له - رضي الله (تعالى) عنه -؛ وهذا تشبيه حال بحال؛ فشبهت حالهم في أنهم يسمعون بآذانهم دون أن تعيه قلوبهم؛ بحال من يلقون بوجوههم؛ وهم يسيرون القهقرى إلى الوراء. لعلي بن أبي طالب: