[ ص: 1251 ]
الحق من ربك فلا تكن من الممترين
أي: هذا الذي أخبرك الله به سبحانه من أن عيسى خلق من غير أب، وكونه كذلك، وكون خلق آدم من طين، وكون هذا التكوين العام هو بإرادة مختارة، لا قيد يقيدها، وأنها خالقة الأسباب، هذا هو الحق، والحق هو الثابت اليقيني الذي لا مجال للشك فيه. وقد أكد سبحانه وتعالى كونه الحق الذي لا مجال للريب فيه بثلاثة تأكيدات:
أولها: بتعريف كلمة الحق بـ " أل " ، فإن مؤدى ذلك أن خلق الله بإرادته المختارة على النحو الذي بينه هو الحق وحده، ولا حق سواه.
ثانيها: أنه بين أن إثبات ذلك الحق هو من ربك الذي ذرأك وحفظك، وفي ذلك ما يدل على صدق الإثبات صدقا لا ريب فيه.
ثالثها: أنه نهى عن الامتراء والشك في ذلك الحق، فقال سبحانه: فلا تكن من الممترين أي أنه لا مجال فيه للشك، أو للجدال والمراء المثير للشك.
والخطاب موجه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا شك عنده، وكان كذلك لإثارة الاهتمام والاتجاه إليه، وبيان أنه لا موضع فيه للجدل والامتراء، فيكون الاطمئنان إلى الحق المبين، وإذا كان هذا دعوة للنبي إلى الابتعاد عن الامتراء فغيره أولى بأن توجه إليه الدعوة القاطعة لكل ريب.
والامتراء: هو الشك الذي يدفع إلى المراء والمجادلة المبنية على الأوهام لا على الحقائق ولذلك قال الراغب الأصفهاني في معنى الامتراء ما نصه: " المرية:التردد في الأمر، وهو أخص من الشك، قال تعالى: ولا يزال الذين كفروا في مرية منه فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء فلا تكن في مرية من لقائه ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم والامتراء والمماراة: المحاجة فيما فيه تردد، وأصله من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها للحلب " .
فمؤدى كلمة الامتراء هو المحاجة فيما فيه ريب، فكأن الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه الكريم أو لقارئ القرآن العظيم: فلا تكن من الذين يجادلون في هذا [ ص: 1252 ] شاكين؛ فإنه ليس موضع شكك من جهة، وليس موضع جدال؛ لأن الذين يجادلون فيه يجادلون في قدرة الله تعالى وهو شديد المحال