وقد صور الله (تعالى) دفع الباطل بالحق؛ وكون النصر والقتال له يكون دولة؛ بإيلاج الليل في النهار؛ فقال (تعالى):
nindex.php?page=treesubj&link=28659_28723_29717_32440_32441_32442_28993nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=61ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير الإشارة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=29677نصر الله لمن يبغى عليه؛ بعد أن دافع عن نفسه؛ و "الولوج ": الدخول في مضيق؛ كما جاء في قوله (تعالى):
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40حتى يلج الجمل في سم الخياط ؛ وجاء في المفردات قوله (تعالى):
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=61يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل تنبيه على ما ركب الله - عز وجل - العالم من زيادة الليل في النهار؛ وزيادة النهار في الليل؛ وذلك بحسب مطالع الشمس ومغاربها.
والمعنى أن هذا تنبيه لاختلاف مدار الأرض حول الشمس؛ وقربها أو بعدها؛ بجعلها قريبة نسبيا بقدر ضئيل؛ فيطول النهار؛ وبعيدة نسبيا بمثله؛ فيطول الليل؛ وكل شيء عند ربك بمقدار؛ وهو الكبير المتعال المالك لكل شيء؛ والمسير للكون بإحكام؛ وبنواميس لا تتخلف؛ كما اختار العزيز الحكيم العالم بكل شيء؛
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=61وأن الله سميع بصير "أن "؛ معطوفة على
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=61بأن الله يولج الليل في النهار إلى آخره؛
[ ص: 5016 ] nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=61وأن الله سميع لما يجري في الكون؛ يعلم علم من يسمع؛ و
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=61بصير يعلم علم من يبصر؛ لا يغيب عنه شيء في السماء؛ ولا في الأرض.
ويسأل سائل هنا: لماذا ذكر - سبحانه وتعالى - ذلك في هذا الموضع من نصره - سبحانه وتعالى - لمن بغي عليه؛ وأنه - سبحانه وتعالى - يعفو عمن يترك ما يؤذيه إليه - سبحانه -؛ ويغفر له؟ والجواب عن ذلك أن الله (تعالى) ذكر أمرين؛ أو أشار إليهما؛ الأمر الأول - أن الله - سبحانه - ينصر من بغي عليه؛ وأكد - سبحانه وتعالى - نصره بالتوكيدات التي ذكرناها في موضعها؛ والأمر الثاني أن الله (تعالى) يندب إلى العفو والتسامح عند القصاص؛ وفي هذا النص السامي الكوني يشير - سبحانه - إلى أنه يجعل النصر والهزيمة دولة بين الناس؛ والقوة والضعف دولة بين الناس؛ كما يجعل الليل يدخل في النهار؛ والنهار يدخل في الليل؛ فيزاد هذا تارة؛ وينقص أخرى؛ فعلى الدولة المنتصرة أن تذكر أنها قد تنهزم؛ فلا تغالي في القصاص؛ بل تفتح زاوية للمعروف من العفو والتسامح.
وبذلك يدعو الإسلام إلى ألا تكون الحروب الإنسانية قاطعة مانعة لكل سلام؛ بل يجب أن يشع نور السلام في وقت الحروب العادلة؛ إلا أن يكون العدو شرسا؛ كاليهود؛ أعداء الإنسانية.
وَقَدْ صَوَّرَ اللَّهُ (تَعَالَى) دَفْعَ الْبَاطِلِ بِالْحَقِّ؛ وَكَوْنَ النَّصْرِ وَالْقِتَالِ لَهُ يَكُونُ دُولَةً؛ بِإِيلَاجِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ؛ فَقَالَ (تَعَالَى):
nindex.php?page=treesubj&link=28659_28723_29717_32440_32441_32442_28993nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=61ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ اَلْإِشَارَةُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29677نَصْرِ اللَّهِ لِمَنْ يُبْغَى عَلَيْهِ؛ بَعْدَ أَنْ دَافَعَ عَنْ نَفْسِهِ؛ وَ "اَلْوُلُوجُ ": اَلدُّخُولُ فِي مَضِيقٍ؛ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ (تَعَالَى):
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ؛ وَجَاءَ فِي الْمُفْرَدَاتِ قَوْلُهُ (تَعَالَى):
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=61يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا رَكَّبَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْعَالَمَ مِنْ زِيَادَةِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ؛ وَزِيَادَةِ النَّهَارِ فِي اللَّيْلِ؛ وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَطَالِعِ الشَّمْسِ وَمَغَارِبِهَا.
وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا تَنْبِيهٌ لِاخْتِلَافِ مَدَارِ الْأَرْضِ حَوْلَ الشَّمْسِ؛ وَقُرْبِهَا أَوْ بُعْدِهَا؛ بِجَعْلِهَا قَرِيبَةً نِسْبِيًّا بِقَدْرٍ ضَئِيلٍ؛ فَيَطُولُ النَّهَارُ؛ وَبَعِيدَةً نِسْبِيًّا بِمِثْلِهِ؛ فَيَطُولُ اللَّيْلُ؛ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَ رَبِّكَ بِمِقْدَارٍ؛ وَهُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ الْمَالِكُ لِكُلِّ شَيْءٍ؛ وَالْمُسَيِّرُ لِلْكَوْنِ بِإِحْكَامٍ؛ وَبِنَوَامِيسَ لَا تَتَخَلَّفُ؛ كَمَا اخْتَارَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الْعَالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=61وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ "أَنَّ "؛ مَعْطُوفَةٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=61بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ إِلَى آخِرِهِ؛
[ ص: 5016 ] nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=61وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لِمَا يَجْرِي فِي الْكَوْنِ؛ يَعْلَمُ عِلْمَ مَنْ يَسْمَعُ؛ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=61بَصِيرٌ يَعْلَمُ عِلْمَ مَنْ يُبْصِرُ؛ لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ فِي السَّمَاءِ؛ وَلَا فِي الْأَرْضِ.
وَيَسْأَلُ سَائِلٌ هُنَا: لِمَاذَا ذَكَرَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ نَصْرِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لِمَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ؛ وَأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَعْفُو عَمَّنْ يَتْرُكُ مَا يُؤْذِيهِ إِلَيْهِ - سُبْحَانَهُ -؛ وَيَغْفِرُ لَهُ؟ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ (تَعَالَى) ذَكَرَ أَمْرَيْنِ؛ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِمَا؛ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ - أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - يَنْصُرُ مَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ؛ وَأَكَّدَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - نَصْرَهُ بِالتَّوْكِيدَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي مَوْضِعِهَا؛ وَالْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ اللَّهَ (تَعَالَى) يَنْدُبُ إِلَى الْعَفْوِ وَالتَّسَامُحِ عِنْدَ الْقَصَاصِ؛ وَفِي هَذَا النَّصِّ السَّامِي الْكَوْنِيِّ يُشِيرُ - سُبْحَانَهُ - إِلَى أَنَّهُ يَجْعَلُ النَّصْرَ وَالْهَزِيمَةَ دُولَةً بَيْنَ النَّاسِ؛ وَالْقُوَّةَ وَالضَّعْفَ دُولَةً بَيْنَ النَّاسِ؛ كَمَا يَجْعَلُ اللَّيْلَ يَدْخُلُ فِي النَّهَارِ؛ وَالنَّهَارَ يَدْخُلُ فِي اللَّيْلِ؛ فَيُزَادُ هَذَا تَارَةً؛ وَيُنْقَصُ أُخْرَى؛ فَعَلَى الدَّوْلَةِ الْمُنْتَصِرَةِ أَنْ تَذْكُرَ أَنَّهَا قَدْ تَنْهَزِمُ؛ فَلَا تُغَالِيَ فِي الْقِصَاصِ؛ بَلْ تَفْتَحُ زَاوِيَةً لِلْمَعْرُوفِ مِنَ الْعَفْوِ وَالتَّسَامُحِ.
وَبِذَلِكَ يَدْعُو الْإِسْلَامُ إِلَى أَلَّا تَكُونَ الْحُرُوبُ الْإِنْسَانِيَّةُ قَاطِعَةً مَانِعَةً لِكُلِّ سَلَامٍ؛ بَلْ يَجِبُ أَنْ يُشِعَّ نُورُ السَّلَامِ فِي وَقْتِ الْحُرُوبِ الْعَادِلَةِ؛ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ شَرِسًا؛ كَالْيَهُودِ؛ أَعْدَاءِ الْإِنْسَانِيَّةِ.