إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير [ ص: 4964 ] بعد أن بين - سبحانه - حال الخصم الأول؛ ويشمل الكافرين بشتى أنواعهم؛ الذين يجادلون المؤمنين؛ بين - سبحانه - حال الخصم الآخر؛ وهم المؤمنون؛ وإذا كان الفريق الأول قطعت لهم ثياب من نار؛ وصب من فوق رؤوسهم الحميم؛ وصهرت أحشاؤهم؛ إذا كان هذا الفريق كذلك؛ فالفريق المؤمن يدخله الله (تعالى) بسبب إيمانه - ولقد عبر بالموصول - جنات تجري من تحتها الأنهار ويجتمع فيها النعيم الحسي؛ والنفسي؛ فيكون المنظر البهيج بالأنهار تجري من تحت الجنات؛ وغرف أهل الجنة؛ وقد أضاف - سبحانه وتعالى - الإدخال إليه؛ كأنهم في ضيافته مكرمون؛ لا يلقون في الجحيم مدحورين معذبين.
وإذا كانت ثياب المجرمين قطعت من نار لبسوها؛ فثياب المؤمنين من ذهب ولآلئ وحرير; ولذا قال (تعالى): يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا يصح أن تكون "من "؛ تبعيضية؛ أي: يحلون بعض أساور من ذهب؛ و "أساور "؛ جمع "إسوار "؛ إذ هي جمع "أسورة "؛ و "أسورة "؛ جمع "سوار "؛ ويصح أن تكون "من "؛ ابتدائية؛ أي: يحلون؛ وحليتهم من أساور؛ فتكون بيانية؛ أي: هي من أساور؛ "ولؤلؤا "؛ عطف على محل "من أساور "؛ لأن محلها النصب؛ أو نقول: مفعول لفعل محذوف؛ تقديره: "وترصع لؤلؤا "؛ ولباسهم فيها حرير أي: لا يلبسون إلا حريرا؛ وهذا أقصى أحوال النعيم الحسي؛ وقد يقال: كيف يذكر ذلك على أنه من وقد وردت الآثار بأن الذهب والحرير حرام على رجال الأمة؛ فكيف يذكران على أنهما من نعيم أهل الجنة؟ والجواب عن ذلك أن الجنة ليست دار تكليف؛ إنما هي دار ثواب؛ ولذا كان فيها أنهار من خمر لذة للشاربين؛ نعيم أهل الجنة؛ لا يصدعون عنها ولا ينـزفون ؛ [ ص: 4965 ] وفوق ذلك أن الجنة فيها نعيم الرجال؛ والنساء؛ ولا شك أن الأساور واللآلئ والحرير من نعيم النساء؛ والله - سبحانه وتعالى - هو المكافئ العلي القدير.
وإنه بجوار هذا النعيم الحسي من كل الجوانب في الجنة النعيم المعنوي; ولذا قال (تعالى):