أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى [ ص: 4808 ] الكلام في هذه الآية يتعلق بمشركي مكة؛ والفاء عاطفة على فعل محذوف؛ تقديره - مثلا -: "أيستمرون في عبادة الأوثان؛ مع قيام العبر الدالة على ضلالهم؛ فلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون؟! "؛ "هدى "؛ تتعدى بنفسها؛ من غير لام؛ فيقال: "هداه "؛ و "يهديه "؛ واللام لتقوية التعدية؛ والتنبيه؛ وبيان الهداية لهم أولا؛ وبالذات؛ أو نقول: إن "يهد "؛ هنا متضمنة معنى "يتبين "؛ والمعنى: "أولم يتبين لهم كم أهلكنا "؛ والاستفهام هنا إنكاري بمعنى إنكار الواقع؛ والمعنى: لم يعتبروا بمن أهلكناهم في عددهم الكثير؛ وهم يشاهدون آثارهم؛ ويمشون في مساكنهم؛ يمرون عليها في رحلاتهم إلى الشام؛ والعودة منه؛ ثمود وهو مار في غزوة تبوك. ولقد مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمساكن
إن في ذلك لآيات لأولي النهى إن في هذه العبر عن القرون الماضية؛ وهي الجماعات السالفة؛ لعبرة لمن عنده اعتبار؛ وقال (تعالى): "لأولي النهى "؛ و "النهى ": جمع "نهية "؛ وهي العقل الذي ينهى عن مساوئ الأفكار؛ ويحث على محاسنها؛ وكان حقا أن يعتبروا؛ ولكن ضعفت العقول؛ وقل الاعتبار.
ولقد كان المشركون؛ لفرط إعراضهم؛ وصدهم عن سبيل الله؛ يستعجلون العذاب؛ تحديا؛ أو جهلا؛ كما قال (تعالى): ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات ؛ ولكن الله (تعالى) بين أنه قادر عليهم؛ ولكن لحكمة أخرهم؛ فقال: