إنكار الإنسان للبعث
قال الله (تعالى): ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ثم لننـزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا
الإنسان ينظر دائما إلى حاضره؛ ولا ينظر إلى قابله؛ وينكر القابل إذا لم يتفق مع حاضره؛ إلا أن يكون ممن هداهم الله؛ وآمنوا بالغيب إيمانهم بالشاهد؛ ولم يحصروا علمهم في المحسوس؛ لا يخرجون عنه؛ وقد قال (تعالى): [ ص: 4672 ] / ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا الإنسان المأسور بالحس؛ الذي لا ينفذ عقله إلى ما وراء الحس من غيب ستره الله (تعالى)؛ ولا يؤمن به إلا بنقل صادق؛ وعلى ذلك يكون المراد بعض الإنسان؛ لا كل آحاده؛ وعبر عن هذا البعض باسم الكل; لأن ما يقوله بعضهم مساير لإحساس الكثيرين منهم؛ أو لحال الإنسان قبل أن يجيئه النقل القاطع الجازم؛ ولأنه مشتق من طبيعة الإنسان المأسور بالحاضر المحسوس؛ لا القابل المغيب.
وبعضهم يقول: إن الجنس هو المتحدث عنه؛ فجنس الإنسان يدرك الحس وحده؛ إلا من رحم ربك.
ويقول (تعالى): ويقول الإنسان عبر بالمضارع؛ للإشارة إلى تكراره؛ وأنه يذكره مرارا؛ وللإشارة إلى صورة قوله المتكرر: أإذا ما مت لسوف أخرج حيا الاستفهام في ظاهر اللفظ ومدلوله داخل على "لسوف أخرج حيا "؛ وتركيب القول - ولكلام الله (تعالى) المثل الأعلى -: "لسوف أخرج حيا إذا ما مت؟! "؛ وتأخرت "لسوف "؛ على "إذا "؛ لأمرين؛ الأمر الأول: أن الاستفهام له الصدارة؛ الأمر الثاني: أن موضع الإنكار ليس هو الإخراج؛ إنما هو أن يكون بعد الموت؛ وأن يصير رميما؛ كقوله (تعالى): من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ؛ والمعنى على هذا التخريج: أحقا مؤكدا سوف يخرج حيا مجتمع الأجزاء؛ غير مفرق؛ واللام لتأكيد الخروج؛ و "سوف "؛ لتأكيد الوقوع في المستقبل؛ ولقد بين - سبحانه - أنه لا غرابة في فقال:
الإعادة بعد الموت؛