[ ص: 4400 ] دعوة الله الحق
قال الله تعالى:
وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينـزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا
كانت العلاقة بين المشركين والمؤمنين إيذاء مستمرا من جانب المشركين، وصبرا ومصابرة من المؤمنين حتى اضطروا إلى الهجرة إلى الحبشة مرتين، وقد أفرط المشركون في أذاهم، وربما حسب بعض المؤمنين أن ذلك صغار للمؤمنين، وتفريط في حق الإيمان، فكان منهم من دعا إلى المقاومة، وإن المصابرة حسبها استرخاء يغريهم، وإن من له عصبية لا تسلمه، وروي أن رجلا من المشركين شتم فهم عمر بن الخطاب، بأن يقتله وكان على ذلك قديرا، فأمر الله تعالى نبيه والمؤمنون بأن يصبروا، وأن يقولوا التي هي أحسن، فقال تعالى: عمر
وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينـزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا
[ ص: 4401 ] قل يا محمد مطمئنا ومهدئا لعبادي: يقولوا التي هي أحسن و (يقولوا) : مجزوم في جواب الأمر، وهو في معنى المعلل لأمر بالقول، أي قل لهم داعيا إلى الصبر، وألا يقابلوا الإساءة بمثلها، ليقولوا التي هي أحسن، أي الكلمة التي هي أحسن، والفعلة التي هي أحسن، وإن رد الإساءة يكون عندما يكون للمسلمين قوة يؤدبون بها المعتدين، ويحملونهم على الحق وتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وكان ذلك قبل الهجرة إلى المدينة كما يدل السياق، وقد استشرفت النفوس لمعرفة السبب في ذلك الأمر وفي نتيجته، فهدأ الله هذه النفوس المستشرفة بقوله: إن الشيطان ينـزغ بينهم أي إن الشيطان ينزغ بينهم، أي يهيج الشر بينهم فتكون المخاشنة داعية إلى الجفوة والمهاترة، والجفوة تبعد النفوس عن الحق أو تزيدها بعدا، بينما الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة والمودة في غير إثم تقرب ولا تنفر، وأكد الله هذا النزغ الشيطاني بقوله تعالى: إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا أى إن الشيطان كان مستمرا للإنسان عدوا مبينا للعداوة، ظاهر العداوة وإن فإن المودة تدني، وتجعل المؤذي يتردد في استمرار أذاه، بينما المخاشنة أو المغالبة تجعل للكافر معذرة فيلج في كفره، وقد كان في المؤمنين من يستطيع المغالبة بشخصه وعشيرته، ولكن لم يرد الله؛ حتى لا تضيع دعوة الحق وسط المنافرة فيكون النفور،
حكمة الله تعالى اقتضت كما ذكرنا أن يصبر النبي صلى الله عليه وسلم على الأذى لأتباعه، والأذى لشخصه، حتى تستمر المودة من جانبه موصولة،