ثم قال سبحانه:
nindex.php?page=treesubj&link=28797_32436_34108_28986nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=18إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين .
الاستثناء هنا يصح أن يكون منقطعا عند بعض المفسرين، ويكون المعنى لكن من استرق السمع، وعلم بعض الأمور التي لا يصح إعلانها من أسرار هذا الكون السامي، ولا يكون ذلك إلا بتقدير الله تعالى.
وعندي أن الاستثناء متصل، لأن (الفاء) في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=18فأتبعه شهاب مبين وهي تفيد ترتب ما بعدها على ما قبلها تبعد أن يكون الاستثناء منقطعا، وإذا كان متصلا يكون المعنى حفظها سبحانه من كل شيطان مرجوم أن يتطاول فيعبث، وأقصى ما يصل إليه أن يسترق السمع، أي أن يأخذ معلومات عن طريق الخفية كمن يسترق السمع، تصديقا لقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=212إنهم عن السمع لمعزولون
وإن هذا الذي يكون كمن يسترق السمع، ويتخذ ذلك طريقا لمعرفة ما لم يعرف - لا ينجو، بل ينزل الله تعالى عليه ما يحرقه، قبل أن يكشف علم ما نهى عنه؛ ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=18فأتبعه شهاب مبين والشهاب كوكب مضيء، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=10فأتبعه شهاب ثاقب فهو نار مشتعلة أو شعلة مضيئة، ويقول ابن عباس: تصعد الشياطين أفواجا تسترق السمع، فينفرد منها، فيرمى بالشهاب.
[ ص: 4078 ] وإن هذا لتصوير حكيم لحفظ الله السماوات من أن يكون في السماوات مفسدون، كما في الأرض من يفسد فيها، وهم شياطين خارجون عن الطاعة كشياطين الإنس والجن في الأرض.
وقد فهم بعض الناس من هذه الآية أنها تشير إلى علم النجوم وعلم حركاتها وتعرف أسرار الحظ من هذه الحركات، ولكنا نقول: إن الآية الكريمة بمنأى عن هذا، والله سبحانه وتعالى أعلم بالكون ظاهره وباطنه. وقد أشار سبحانه وتعالى إلى بدائع خلقه في السماوات وصيانتها من كل عابث، وحفظها إلى ما شاء الله تعالى أن تبقى،
ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=treesubj&link=28797_32436_34108_28986nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=18إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ .
الِاسْتِثْنَاءُ هُنَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى لَكِنْ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ، وَعَلِمَ بَعْضَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَصِحُّ إِعْلَانُهَا مِنْ أَسْرَارِ هَذَا الْكَوْنِ السَّامِي، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَعِنْدِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ، لِأَنَّ (الْفَاءَ) فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=18فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ وَهِيَ تُفِيدُ تَرَتُّبَ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا تُبْعِدُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا، وَإِذَا كَانَ مُتَّصِلًا يَكُونُ الْمَعْنَى حَفِظَهَا سُبْحَانَهُ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَرْجُومٍ أَنْ يَتَطَاوَلَ فَيَعْبَثَ، وَأَقْصَى مَا يَصِلُ إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَرِقَ السَّمْعَ، أَيْ أَنْ يَأْخُذُ مَعْلُومَاتٍ عَنْ طَرِيقِ الْخِفْيَةِ كَمَنْ يَسْتَرِقُ السَّمْعَ، تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=212إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ
وَإِنَّ هَذَا الَّذِي يَكُونُ كَمَنْ يَسْتَرِقُ السَّمْعَ، وَيَتَّخِذُ ذَلِكَ طَرِيقًا لِمَعْرِفَةِ مَا لَمْ يُعْرَفْ - لَا يَنْجُو، بَلْ يُنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مَا يُحْرِقُهُ، قَبْلَ أَنْ يَكْشِفَ عِلْمَ مَا نَهَى عَنْهُ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=18فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ وَالشِّهَابُ كَوْكَبٌ مُضِيءٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=10فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ فَهُوَ نَارٌ مُشْتَعِلَةٌ أَوْ شُعْلَةٌ مُضِيئَةٌ، وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَصْعَدُ الشَّيَاطِينُ أَفْوَاجًا تَسْتَرِقُ السَّمْعَ، فَيَنْفَرِدُ مِنْهَا، فَيُرْمَى بِالشِّهَابِ.
[ ص: 4078 ] وَإِنَّ هَذَا لَتَصْوِيرٌ حَكِيمٌ لِحِفْظِ اللَّهِ السَّمَاوَاتِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي السَّمَاوَاتِ مُفْسِدُونَ، كَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا، وَهُمْ شَيَاطِينُ خَارِجُونَ عَنِ الطَّاعَةِ كَشَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فِي الْأَرْضِ.
وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا تُشِيرُ إِلَى عِلْمِ النُّجُومِ وَعِلْمِ حَرَكَاتِهَا وَتَعَرُّفِ أَسْرَارِ الْحَظِّ مِنْ هَذِهِ الْحَرَكَاتِ، وَلَكُنَّا نَقُولُ: إِنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ بِمَنْأًى عَنْ هَذَا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالْكَوْنِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ. وَقَدْ أَشَارَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى بَدَائِعِ خَلْقِهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَصِيَانَتِهَا مِنْ كُلِّ عَابِثٍ، وَحِفْظِهَا إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَبْقَى،