ويقول في جزاء السابقين واللاحقين:
وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير
- هنا قراءتان إحداهما بـ (إن) الثقيلة، والثانية بـ (إن) الخفيفة ، والتنوين في كلا نائب عن المضاف إليه، أي: إنهم جميعا ليوفينهم ربك أعمالهم، وهذا يتضمن مآل الماضين والسابقين على محمد - صلى الله عليه وسلم - وإنذار الذين يعادونه، ويؤذون أصحابه ويسخرون منهم، فالمعنى إذن، وإن كلا من الفريقين لما سيوفيهم ربك أعمالهم.
اللامان لتوكيد القول; الأولى واقعة في خبر (إن)، والثانية موطئة للقسم أو العكس، ولا تغيير في المعنى بأي التقديرين، وكانت (ما) فاصلة بينهما لكيلا يثقل النطق بلامين وهي مع ذلك دالة على تأكيد ما تدل عليه اللام الأولى. [ ص: 3761 ]
وقوله ليوفينهم فيه توكيد للوفاء، وهو القسم فكأنه تأكد الكلام باللامين، وبالقسم وبنون التوكيد الثقيلة، وأكد أيضا بالتعبير بـ (ربك) أي: الذي خلقك، وخلقهم، وقام على هذا الوجود، وإذا كان هذا الخالق الحي القيوم هو الذي يعد بالتوفية، فإنها واقعة لا محالة.
وقوله أعمالهم أي: جزاء أعمالهم، ولكنه سبحانه حذف الجزاء، وأضاف الجزاء إلى الأعمال للإشارة إلى أن الجزاء وفاق العمل، فكأنهما شيء واحد، إذ يكون عادلا تمام العدل، يوم تجد كل نفس عملها محضرا، وإن وقد أشار إلى العدل بالمساواة بين الجزاء والعمل حتى كأنه هو، وصرح بالثاني في قوله العدل الحقيقي يقتضي المساواة بين العمل والجزاء، ويقتضي العلم، إنه بما يعملون خبير الضمير يعود إلى الله الذي تذكره القلوب، ولا تنساه، و: (خبير) معناه، عالم علما دقيقا لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم ما تكسبه الجوارح، وما يجول في الأفئدة. إنه سميع بصير.