وأنفقوا في سبيل الله والإلقاء باليد إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد .
[ ص: 596 ] وقد تضافرت الروايات بمثل ذلك مما يجعلنا نفهم أن الآية الكريمة تتجه إلى حماية الدولة والجماعة من أن تلقي بيدها إلى التهلكة ، بترك الضعفاء فيها ، وترك الجهاد دفاعا عنها ، وعدم الاستعداد لأعدائها .
ولكن عموم الآية قد يشمل حال الآحاد إذا أقدموا على ما يضرهم من غير أي فائدة تعود على الجماعة من إقدامهم ولو كانت الفائدة معنوية أدبية ، فإن ذلك يسير عليه النهي بمقتضى العموم ، وليس منه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقول كلمة الحق للظالمين ، فإن ذلك فيه فائدة معنوية للأمة ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " أفضل الشهداء ، ورجل تكلم بكلمة حق عند سلطان جائر فقتله حمزة بن عبد المطلب " .
وقد اختلف العلماء ، فسوغه ناس لما فيه فائدة للجماعة ولو معنوية ، ومنعه آخر لأنه لم ير فيه أية فائدة للأمة ، وفيه المضرة على من أقدم ، فتنطبق عليه الآية . فيمن أقدم على مهاجمة عدو كثير العدد وحده
والخلاصة أن الآية ينطبق النهي فيها على الأمة إن تركت أمر حمايتها من الآفات الاجتماعية في الداخل ، وغارات الأعداء في الخارج حتى هلكت ، وينطبق النهي على الآحاد إن أقدموا على ما يهلكهم من غير أي نفع مادي أو أدبي لأمتهم .
وأحسنوا إن الله يحب المحسنين الإحسان في لغة القرآن الكريم يطلق بإطلاقين ، أحدهما : الإتقان والإجادة في العمل والقيام بالطاعات على وجهها ، ومن ذلك قوله تعالى : إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا وقوله تعالى : الذي أحسن كل شيء خلقه والثاني : التفضل على [ ص: 597 ] غيره بالعطاء والزيادة فيه ; وعندي أن هذا في الجملة يعود إلى الأول لأن ذلك من قبيل إتقان العبادة ، والإخلاص الكامل فيها .
وعلى ذلك نرى أن الإحسان هنا هو الإجادة والإتقان ، وقد أمر الله سبحانه المؤمنين بعد الأمر بالقتال أن يجيدوا كل أعمالهم كل الإجادة ، وأن يحتاطوا في كل ما هو متصل بحياتهم الشخصية وأحوالهم الاجتماعية ، وشئون دولتهم وما يقيم أودها ويصلح أمرها ; ففي الحرب جلاد وجهاد وفداء ، وفي السلم إعداد واستعداد ومحبة وولاء ، ومودة بينهم وإخاء ; ليكونوا كما وصف الله الأسلاف أشداء على الكفار رحماء بينهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين فإن لم يكونوا كذلك فقدوا عون الله ونصرته ، بعد أن فقدوا عزة الإسلام وهدايته ; لأن الله مع من يحسن ، ولا يحب سواه ; إذ قال : إن الله يحب المحسنين
* * *