[ ص: 34 ] فصل وقد جاءت } لا صلاة إلا بوضوء ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه فأما الأول : فهو كقوله : { أحاديث تنازع الناس في صحتها . مثل قوله : { } وهذا متفق عليه بين المسلمين ; فإن لا صلاة إلا بطهور فإنما نفى الصلاة لانتفاء واجب فيها وأما الطهور واجب في الصلاة ; ففي وجوبه نزاع معروف وأكثر العلماء لا يوجبونه وهو مذهب ذكر اسم الله تعالى على الوضوء مالك وأبي حنيفة والشافعي وهو إحدى الروايتين عن أحمد اختارها الخرقي وأبو محمد وغيرهما . والثاني : يجب وهو قول طائفة من أهل العلم وهو الرواية الأخرى عن أحمد اختارها أبو بكر عبد العزيز وأصحابه . وكذلك والقاضي أبو يعلى } لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد رواه قوله : { الدارقطني . فمن الناس من يضعفه مرفوعا ويقول : هو من كلام علي رضي الله عنه ومنهم من يثبته . وكذلك كعبد الحق } لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل قد رواه قوله : { أهل السنن وقيل : إن رفعه لم يصح وإنما يصح موقوفا على ابن عمر أو حفصة فليس لأحد أن يثبت لفظا عن الرسول مع أنه أريد به نفي الكمال المستحب [ ص: 35 ] فإن صحت هذه الألفاظ دلت قطعا على وجوب هذه الأمور ; فإن لم تصح فلا ينقض بها أصل مستقر من الكتاب والسنة وليس لأحد أن يحمل كلام الله ورسوله على وفق مذهبه إن لم يتبين من كلام الله ورسوله ما يدل على مراد الله ورسوله ; وإلا فأقوال العلماء تابعة لقول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ليس قول الله ورسوله تابعا لأقوالهم . فإذا كان في وجوب شيء نزاع بين العلماء ، ولفظ الشارع قد اطرد في معنى ; لم يجز أن ينقض الأصل المعروف من كلام الله ورسوله بقول فيه نزاع بين العلماء . ولكن من الناس من لا يعرف مذاهب أهل العلم وقد نشأ على قول لا يعرف غيره فيظنه إجماعا كمن يظن أنه إذا برئت ذمته إجماعا ; وليس الأمر كذلك ; بل للعلماء قولان معروفان في إجزاء هذه الصلاة وفي مذهب ترك الإنسان الجماعة وصلى وحده أحمد فيها قولان ; فطائفة من قدماء أصحابه - حكاه عنهم في شرح المذهب ومن متأخريهم القاضي أبو يعلى وغيره - يقولون : من صلى المكتوبة وحده من غير عذر يسوغ له ذلك فهو كمن صلى الظهر يوم الجمعة فإن أمكنه أن يؤديها في جماعة بعد ذلك فعليه ذلك وإلا باء بإثمه كما يبوء تارك الجمعة بإثمه ، والتوبة معروضة . كابن عقيل
وهذا قول غير واحد من أهل العلم ، وأكثر الآثار المروية عن السلف من الصحابة والتابعين تدل على هذا . وقد احتجوا بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } وأجابوا عن حديث التفضيل بأنه في المعذور الذي تباح له الصلاة وحده كما ثبت عنه أنه قال : { من سمع النداء [ ص: 36 ] ثم لم يجب من غير عذر ; فلا صلاة له } والمراد به المعذور كما في الحديث أنه خرج وقد أصابهم وعك وهم يصلون قعودا فقال ذلك . ولم يجوز أحد من صلاة الرجل قاعدا على النصف من صلاة القائم وصلاة المضطجع على النصف من صلاة القاعد السلف ، ولا يعرف أن أحدا من صلاة التطوع مضطجعا من غير عذر السلف فعل ذلك ، وجوازه وجه في مذهب الشافعي وأحمد ، ولا يعرف لصاحبه سلف صدق مع أن هذه المسألة مما تعم بها البلوى ; فلو كان يجوز لكل مسلم أن يصلي التطوع على جنبه وهو صحيح لا مرض به كما يجوز أن يصلي التطوع قاعدا وعلى الراحلة ; لكان هذا مما قد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته وكان الصحابة تعلم ذلك ، ثم مع قوة الداعي إلى الخير لا بد أن يفعل ذلك بعضهم ، فلما لم يفعله أحد منهم دل على أنه لم يكن مشروعا عندهم وهذا مبسوط في موضعه .