[34] إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم
إلا الذين تابوا أي: من المحاربين: من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم
[ ص: 1955 ] وفي هذه الآية مسائل:
الأولى - روى ابن جرير وأبو داود عن والنسائي أنها نزلت في المشركين. وروى ابن عباس، عن ابن جرير أنها نزلت في قوم من أهل الكتاب نقضوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم. وظاهر أنها عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات. كما روى الشيخان وأهل السنن أبي، وهذا لفظه: عن وابن مردويه أنس بن مالك; عرينة قدموا المدينة فاجتووها. فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة وأمرهم أن يشربوا من أبوالها ففعلوا فصحوا، فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي وساقوا الإبل. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فجيء بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمل أعينهم وألقاهم في الحرة. قال فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشا، حتى ماتوا. ونزلت: أنس: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية. أن ناسا من عن ولمسلم قال: أنس وعند إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 1956 ] أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء. قال البخاري: أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وبعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله.
الثانية - زعم بعضهم أن الآية نزلت نسخا لعقوبة العرنيين المتقدمة.
قال حدثنا ابن جرير: علي بن سهل، حدثنا قال: ذاكرت الوليد بن مسلم ما كان سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم وتركه حسمهم حتى ماتوا. فقال: سمعت الليث بن سعد: يقول: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم معاتبة في ذلك وعلمه عقوبة مثلهم من القطع والقتل والنفي، ولم يسمل بعدهم غيرهم. قال: وكان هذا القول ذكر محمد بن عجلان - فأنكر أن تكون نزلت معاتبة، وقال: بلى. كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم. ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم. فرفع عنهم السمل. وروى لأبي عمرو - يعني الأوزاعي أيضا في القصة عن ابن جرير قال: فما مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ولا بعد، قال: [ ص: 1957 ] ونهى عن المثلة، قال: سعيد بن جبير «لا تمثلوا بشيء.» مروي في الصحيح والسنن. والنهي عن المثلة
الثالثة - احتج بعموم هذه الآية جمهور العلماء، في ذهابهم إلى أن المحاربة في الأمصار وفي السبلات على السواء. لقوله: ويسعون في الأرض فسادا وهذا مذهب مالك والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولو شهروا السلاح في البنيان لا في الصحراء لأخذ المال. فقد قيل: إنهم ليسوا محاربين بل هم بمنزلة المنتهب. لأن المطلوب يدركه الغوث إذا استغاث بالناس. وقال الأكثرون: إن حكم من في البنيان والصحراء واحد، بل هم في البنيان أحق بالعقوبة منهم في الصحراء. لأن البنيان محل الأمن والطمأنينة، ولأنه محل تناصر الناس وتعاونهم، فإقدامهم عليه يقتضي شدة المحاربة والمغالبة، ولأنهم يسلبون الرجل في داره جميع ماله، والمسافر لا يكون معه غالبا إلا بعض ماله; وهذا هو الصواب.
حتى قال في الذي يغتال الرجل فيخدعه حتى يدخله بيتا فيقتله ويأخذ ما معه: إن هذه محاربة. ودمه إلى السلطان لا إلى ولي المقتول. ولا اعتبار بعفوه عنه في إنفاذ القتل. مالك
[ ص: 1958 ] وإنما كان ذلك محاربة، لأن القتل بالحيلة كالقتل مكابرة، كلاهما لا يمكن الاحتراز منه، بل قد يكون ضرر هذا أشد، لأنه لا يدري به.
وقيل: إن المحارب هو المجاهر بالقتال، وإن هذا المغتال يكون أمره إلى ولي أمر الدم. والأول أشبه بأصول الشريعة.
الرابعة - ظاهر الآية: أن أحد هذه الأنواع. فيفعل الإمام منها ما رأى فيه صلاحا. قال عقوبة المحاربين المفسدين ابن أبي طلحة عن في الآية: من شهر السلاح في قبة الإسلام، وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه، فإمام المسلمين فيه بالخيار: إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله. وكذا قال ابن عباس، سعيد بن المسيب ومجاهد [ ص: 1959 ] وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي كما رواه والضحاك. وحكي مثله عن ابن جرير، أنس.
قال ومستند هذا القول ظاهر. وللتخيير نظائر من القرآن. كقوله في جزاء الصيد: ابن كثير: فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما وقوله في كفارة الترفه: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك وقوله في كفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة وهذه كلها على التخيير، فكذلك فلتكن هذه الآية. وقال [ ص: 1960 ] الجمهور: هذه الآية منزلة على أحوال.
أخرج عن الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى، صالح مولى التوأمة، عن في قطاع الطريق: إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا. وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض. وقد رواه ابن عباس، عن ابن أبي شيبة عبد الرحيم بن سليمان، عن حجاج، عن عطية عن بنحوه، وعن ابن عباس أبي مجلز وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والسدي نحو ذلك. وهكذا قال غير واحد من السلف والأئمة انتهى. وعطاء الخراساني
وفي "النهاية" من فقه الزيدية: يرجع في المحارب إلى رأي الإمام، فإن كان له رأي قتله أو صلبه - لأن القطع لا يدفع المضرة - وإن كان لا رأي له لكنه ذو قوة قطعه من خلاف، وإن عدم القوة والرأي ضرب ونفي; وهذا معنى التخيير بين هذه الأمور، أنه يرجع إلى اجتهاد الإمام، على ما ذكر. انتهى.
ورأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية فصلا مهما في المحاربين في كتابه "السياسة الشرعية" وقد مثلهم بقطاع الطريق الذين يعترضون الناس بالسلاح في الطرقات ونحوها ليغصبوهم المال مجاهرة، من الأعراب أو التركمان أو الأكراد أو الفلاحين أو فسقة الجند أو مردة الحاضرة أو غيرهم. ثم ساق رواية المتقدمة عن الشافعي وقال: ابن عباس
هذا قول كثير من أهل العلم - كالشافعي رضي الله عنهما - وهو قريب من قول وأحمد - رحمه الله - ومنهم من قال: للإمام أن يجتهد فيهم فيقتل من رأى قتله [ ص: 1961 ] مصلحة فيهم وإن كان لم يقتل مثل أن يكون رئيسا مطاعا فيهم. ويقطع من رأى قطعه مصلحة وإن كان لم يأخذ المال. مثل أن يكون ذا جلد وقوة في أخذ المال. كما أن منهم من يرى أنه أبي حنيفة والأول قول الأكثر. فمن كان من المحاربين قد قتل فإنه يقتله الإمام حدا لا يجوز العفو عنه بحال، بإجماع العلماء. ذكره إذا أخذوا المال قتلوا وقطعوا وصلبوا. ولا يكون أمره إلى ورثة المقتول. بخلاف ما لو قتل رجل رجلا لعداوة بينهما، أو لخصومة، أو نحو ذلك من الأسباب الخاصة. فإن هذا دمه لأولياء المقتول. إن أحبوا قتلوا. وإن أحبوا عفوا. وإن أحبوا أخذوا الدية لأنه قتله لغرض خاص. وأما ابن المنذر. فضررهم عام بمنزلة السراق. فكان قتلهم حد الله. وهذا متفق عليه بين الفقهاء. حتى لو كان المقتول غير مكافئ للقاتل. مثل أن يكون القاتل حرا والمقتول عبدا، أو القاتل مسلما والمقتول ذميا أو مستأمنا. فقد اختلف الفقهاء: هل يقتل في المحاربة؟ والأقوى أنه يقتل للفساد العام حدا، كما يقطع إذا أخذ أموالهم. وكما يحبس بحقوقهم. المحاربون فإنما يقتلون لأخذ أموال الناس، والجمهور على أن الجميع يقتلون ولو كانوا مائة. والردء والمباشر سواء. وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين. فإن وإذا كان المحاربون الحرامية جماعة، فالواحد منهم باشر القتل بنفسه والباقون له أعوان وردء له، فقد قيل: إنه يقتل المباشر فقط. - رضي الله عنه - قتل ربيئة المحاربين. والربيئة هو الناظور الذي يجلس على مكان عال ينظر منه لهم من يجيء. عمر بن الخطاب
ولأن المباشر إنما يمكن من قتله بقوة الردء ومعونته. والطائفة إذا انتصر بعضها ببعض، حتى صاروا ممتنعين، فهم مشتركون في الثواب والعقاب كالمجاهدين. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ويرد [ ص: 1962 ] متسريهم على قاعدتهم» . يعني: أن جيش المسلمين إذا تسرت منه سرية فغنمت مالا، فإن الجيش يشاركها فيما غنمت، لأنها بظهره وقوته تمكنت. لكن تنفل عنه نفلا. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل السرية، إذا كانوا في بدايتهم، الربع بعد الخمس. فإذا رجعوا إلى أوطانهم وتسرت سرية، نفلهم الثلث بعد الخمس. وكذلك لو غنم الجيش غنيمة شاركته السرية؛ لأنها في مصلحة الجيش. كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم لطلحة يوم والزبير بدر، لأنه كان قد بعثهما في مصلحة الجيش. فأعوان الطائفة المتمنعة وأنصارها منها، فيما لهم وعليهم. وهكذا المقتتلون على باطل لا تأويل فيه، مثل المقتتلين على عصبية ودعوى جاهلية. كقيس ويمن ونحوهما، هما ظالمتان. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: . أخرجاه في "الصحيحين" وتضمن كل طائفة ما أتلفته الأخرى من نفس ومال وإن لم يعرف عين القاتل. لأن الطائفة الواحدة المتمنع بعضها ببعض كالشخص الواحد. وأما إذا أخذوا المال فقط ولم يقتلوا - كما قد يفعله الأعراب كثيرا - فإنه يقطع من كل واحد يده اليمنى ورجله اليسرى عند أكثر العلماء. «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» . قيل: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه أراد قتل صاحبه» كأبي حنيفة والشافعي وغيرهم. وهذا معنى قوله تعالى: وأحمد أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف تقطع اليد التي يبطش بها، والرجل التي يمشي عليها، وتحسم يده ورجله [ ص: 1963 ] بالزيت المغلي ونحوه، لينحسم الدم فلا يخرج فيفضي إلى تلفه. وكذا تحسم يد السارق بالزيت. وهذا الفعل قد يكون أزجر من القتل. فإن الأعراب وفسقة الجند وغيرهم، إذا رأوا دائما من هو بينهم مقطوع اليد والرجل، ذكروا بذلك جرمه، فارتدعوا. بخلاف القتل، فإنه قد ينسى. وقد يؤثر في بعض النفوس الأبية قتله على قطع يده ورجله من خلاف. فيكون هذا أشد تنكيلا له ولأمثاله. وأما إذا شهروا السلاح ولم يقتلوا نفسا ولم يأخذوا مالا، ثم أغمدوه أو هربوا، وتركوا الحراب، فإنهم ينفون. فقيل (نفيهم) تشريدهم. فلا يتركون يأوون في بلد. وقيل: هو حبسهم. وقيل: هو ما يراه الإمام أصلح من نفي أو حبس أو نحو ذلك. والقتل المشروع ضرب الرقبة بالسيف ونحوه. لأن ذلك أوحى (أي: أسرع) أنواع القتل. وكذلك شرع الله قتل ما يباح قتله من الآدميين والبهائم إذا قدر عليه على هذا الوجه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: . رواه «إن الله كتب الإحسان على كل شيء. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة. وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح. وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» وقال: مسلم. . وأما الصلب المذكور فهو رفعهم على مكان عال ليراهم الناس ويشتهر أمرهم، وهو بعد القتل، عند جمهور العلماء. ومنهم من قال: يصلبون ثم يقتلون وهم مصلوبون. وقد جوز بعض الفقهاء قتلهم بغير السيف حتى قال: يتركون على المكان العالي حتى يموتوا حتف أنوفهم بلا قتل. «إن أعف الناس قتلة أهل الإيمان»
الخامسة: تتمة الآية. أعني قوله تعالى: ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم تدل على أن المحاربين يعاقبون في الدنيا والآخرة مطلقا. ولا يكون الحد المذكور طهرة لهم، ولو كانوا مسلمين.
[ ص: 1964 ] قال السيوطي في "الإكليل": قال ظاهره أن عقوبة المحارب لا تكون كفارة له، كما تكون في سائر الحدود. ابن الفرس:
وقال العارف الشعراني في "ميزانه": سمعت شيخنا، شيخ الإسلام زكريا رحمه الله يقول: لم يرد لنا أن أحدا يؤخذ بذنبه في الدنيا والآخرة معا، إلا المحاربين، لقوله تعالى: ذلك لهم خزي الآية.
وقال هذا يرجح رواية نزولها في المشركين. فأما أهل الإسلام ففي "صحيح ابن كثير: عن مسلم" رضي الله عنه قال: عبادة بن الصامت أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أخذ على النساء، ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا يعضه بعضنا بعضا. فمن وفى منكم فأجره على الله تعالى، ومن أتى منكم حدا فأقيم عليه فهو كفارته، ومن ستره الله فأمره إلى الله. إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
السادسة: دل قوله تعالى: إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم على أن قبل الظفر بهم، تسقط عنهم حد المحاربين المذكور في الآية. سواء كانوا مشركين أو مسلمين. وهو مروي عن توبة المحاربين، علي وأبي هريرة وغيره. وقد قال والسدي الهادي: إذا تاب المحارب قبل الظفر به، سقط عنه كل تبعة من قتل أو دين، لعموم الآية.
قال أما على قول من قال: إنها في أهل الشرك فظاهر. أي: فإنهم إذا آمنوا قبل القدرة عليهم، سقط عنهم جميع الحدود المذكورة. فلا يطالبون بشيء مما أصابوا من مال أو دم. قال ابن كثير: أبو إسحاق: جعل الله التوبة للكفار تدرأ عنهم الحدود التي وجبت عليهم في كفرهم، ليكون ذلك داعيا لهم إلى الدخول في الإسلام. وأما المحاربون المسلمون، فإذا تابوا قبل القدرة عليهم فإنه يسقط عنهم تحتم القتل والصلب وقطع الرجل. وهل يسقط قطع اليد؟ فيه قولان للعلماء. وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع، وعليه عمل الصحابة [ ص: 1965 ] كما روى عن ابن أبي حاتم قال: كان الشعبي حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة - وكان قد أفسد في الأرض وحارب - فكلم رجالا من قريش منهم: الحسن بن علي وابن عباس فكلموا وعبد الله بن جعفر؛ فيه فلم يؤمنه. فأتى عليا سعيد بن قيس الهمداني، فخلفه في داره ثم أتى فقال: يا أمير المؤمنين! أرأيت من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا - فقرأ حتى بلغ: عليا إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فقال: اكتب له أمانا. قال سعيد بن قيس: فإنه جارية بن بدر. وكذا رواه من غير وجه عن ابن جرير عن مجالد فقال الشعبي، حارثة بن بدر:
ألا أبلغا همدان إما لقيتها على النأي لا يسلم عدو يعيبها
لعمر أبيها إن همدان تتقي الـ
إله ويقضي بالكتاب خطيبها
وروى - من طريق ابن جرير عن سفيان الثوري ومن طريق السدي، أشعث - كلاهما. عن قال: جاء رجل من عامر الشعبي مراد إلى - وهو على أبي موسى الكوفة في إمرة رضي الله عنه - بعد ما صلى المكتوبة فقال: يا عثمان هذا مقام العائذ بك. أنا فلان بن فلان المرادي. كنت حاربت الله ورسوله، وسعيت في الأرض فسادا، وإني تبت من قبل أن تقدروا علي. فقام أبا موسى! أبو موسى فقال: إن هذا فلان بن فلان. وإنه كان حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا، وإنه تاب من قبل أن يقدر عليه، فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير، (فإن يك صادقا فسبيل من صدق. وإن يك كاذبا تدركه ذنوبه). فأقام الرجل ما شاء الله، ثم إنه خرج فأدركه الله بذنوبه فقتله. ثم قال حدثني ابن جرير: حدثنا علي، قال: قال الوليد بن مسلم، وكذلك حدثني الليث. موسى بن إسحاق المدني، وهو الآمر عندنا، [ ص: 1966 ] أن عليا الأسدي حارب وأخاف السبيل، وأصاب الدم والمال، فطلبه الأئمة والعامة، فامتنع ولم يقدر عليه حتى جاء تائبا، وذلك أنه سمع رجلا يقرأ هذه الآية: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم فوقف عليه فقال: يا عبد الله! أعد قراءتها. فأعادها عليه. فغمد سيفه ثم جاء تائبا حتى قدم المدينة من السحر. فاغتسل. ثم أتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصلى الصبح ثم قعد إلى في غمار أصحابه. فلما أسفر عرفه الناس فقاموا إليه. فقال أبي هريرة صدق. وأخذ بيده أبو هريرة: حتى أتى أبو هريرة مروان بن الحكم - في إمرته على المدينة في زمن - فقال: هذا معاوية جاء تائبا ولا سبيل لكم عليه ولا قتل. قال: فترك من ذلك كله. قال: وخرج علي تائبا مجاهدا في سبيل الله في البحر. فلقوا علي الروم. فقربوا سفينته إلى سفينة من سفنهم. فاقتحم على الروم في سفينتهم. فهزموا منه إلى سفينتهم الأخرى. فمالت بهم وبه. فغرقوا جميعا.
هذا، وفي تفسير بعض الزيدية - نقلا عن زيد والنفس الزكية والمؤيد بالله وأبي حنيفة ومالك - أن توبة المحارب تسقط الحدود لله، دون حقوق بني والشافعي آدم من قتل أو مال، لقوله تعالى: كتب عليكم القصاص في القتلى وقوله: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [ ص: 1967 ] وقوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وقوله صلى الله عليه وسلم: ، وقوله عليه الصلاة والسلام «على اليد ما أخذت حتى ترد» . قال في "شرح الإبانة": وروى «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه» بإسناده إلى أمير المؤمنين زيد بن علي عليه السلام; أن قاطع الطريق، إذا تاب قبل أن يؤخذ وظفر به الإمام. ضمن المال واقتص منه. ثم قال: أما الكافر فلا خلاف أن توبته تسقط عنه جميع الحدود. انتهى. علي
وأخرج أبو داود عن والنسائي قال: نزلت في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه سبيل. ابن عباس
وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد، إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله.