القول في تأويل قوله تعالى:
[ 33 - 42 ] فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة [ ص: 6066 ] ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة
فإذا جاءت الصاخة يعني الداهية الشديدة، وهي وصوت زلزالها الهائل المصم للآذان. يقال صخه يصخه، ضرب أذنه فأصمها، وصاح بهم صيحة تصخ الآذان، وقد صخ صخيخا، وهو صوته إذا قرع. وصخ لحديثه إذا أصاخ له بمعنى: استمع، كما في (الأساس)، ويجوز على الأخير أن تجعل بمعنى المستمعة، مجازا في الإسناد. وجواب (إذا) محذوف يدل عليه ما بعده، كيشتغل كل بنفسه، أو افترق الناس: صيحة القيامة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته أي: زوجته.
وبنيه أي: لاشتغاله بنفسه; وعلمه بأنهم لا ينفعونه. قال الشهاب: يعني أن الإقبال عليهم إما للنفع أو للانتفاع، وكلاهما منتف لاشتغاله بنفسه عن نفس غيره، وعلمه بعدم نفعه. وتأخير الأحب فالأحب للمبالغة ; فهو للترقي، كذا قيل.
قال الشهاب: والظاهر أنه لم يقصد ذلك لاختلاف الناس والطباع فيه.
لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه أي: يكفيه في الاهتمام به، كأنه ذلك الهم الذي نزل به قد ملأ صدره فلم يبق فيه متسع لهم آخر، فصار شبيها بالغني.
وجوه يومئذ مسفرة أي: مضيئة.
ضاحكة مستبشرة أي: مسرورة بنيل كرامة الله والنعيم المتزايد، وهي الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقدموا من الخير والعمل الصالح ما ملؤوا به صحفهم. وجوه المؤمنين
ووجوه يومئذ عليها غبرة أي: غبار وكدورة.
ترهقها قترة أي: تغشاها ظلمة.
أولئك هم الكفرة الفجرة أي: الفسقة الذين لا يبالون ما أتوا به من معاصي الله، وركبوا من محارمه، فجوزوا بسوء أعمالهم وخبث نياتهم.