القول في تأويل قوله تعالى:
[44 - 47] ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين
ولو تقول علينا بعض الأقاويل أي: افترى علينا. وسمى الكذب تقولا; لأنه قول متكلف، كما تشعر به صيغة التفعل. و الأقاويل إما جمع قول على غير القياس، أو جمع الجمع كالأناعيم، جمع أقوال وأنعام. قيل: تسمية الأقوال المفتراة أقاويل تحقيرا لها، كأنها جمع أفعولة من القول، كالأضاحيك.
لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين قال : أي: لأخذنا منه بالقوة منا والقدرة، ثم لقطعنا منه نياط القلب; وإنما يعني بذلك أنه كان يعاجله بالعقوبة، ولا يؤخره بها. وقد قيل: إن معنى قوله: ابن جرير لأخذنا منه باليمين لأخذنا منه باليد اليمنى [ ص: 5921 ] من يديه. قال: وإنما ذلك كقول ذي السلطان إذا أراد الاستخفاف ببعض من بين يديه لبعض أعوانه: خذ بيده فأقمه، وافعل به كذا وكذا، قالوا: وكذلك معنى قوله: لأخذنا منه باليمين أي: لأهناه، كالذي يفعل بالذي وصفنا حاله. انتهى.
وقال : المعنى: لو ادعى علينا شيئا لم نقله لقتلناه صبرا، كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم، معالجة بالسخط والانتقام. فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول، وهو أن يؤخذ بيده، وتضرب رقبته; وخص اليمين عن اليسار؛ لأن القاتل إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده، وأن يكفحه بالسيف، وهو أشد على المصبور، لنظره إلى السيف، أخذ بيمينه، فمعنى الزمخشري لأخذنا منه باليمين لأخذنا بيمينه، كما أن قوله: لقطعنا منه الوتين لقطعنا وتينه، وهذا بين. انتهى.
وما قرره أبلغ في المراد، وهو بيان المعاقبة بأشد العقوبة؛ إذ على الأول يفوت التصوير والتفصيل والإجمال; لأن قوله: الزمخشري باليمين بعد لأخذنا منه بيان بعد الإبهام، ويصير قوله: " منه " زائدا من غير فائدة، ويرتكب المجاز من غير فائدة أيضا، كما في "العناية".
فما منكم من أحد عنه حاجزين أي: ليس أحد منكم يحجزنا عنه، ويحول بيننا وبين عقوبته، لو تقول علينا.