[ ص: 89 ] القول في تأويل قوله تعالى
[28 ] كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون
"كيف تكفرون بالله" التفات إلى خطاب المذكورين ، مبني على إيراد ما عدد من قبائحهم السابقة ، لتزايد السخط الموجب للمشافهة بالتوبيخ والتقريع . والاستفهام إنكاري بمعنى إنكار الواقع ، واستبعاده ، والتعجيب منه ، لأن معهم ما يصرف عن الكفر ، ويدعو إلى الإيمان "وكنتم أمواتا" أجساما لا حياة لها عناصر ، وأغذية ، ونطفا ، ومضغا مخلقة وغير مخلقة -وإطلاق الأموات على تلك الأجسام الجمادية ، إما حقيقة- بناء على أن الميت عادم الحياة مطلقا . كما في قوله تعالى : بلدة ميتا و : وآية لهم الأرض الميتة أو استعارة ، جريا على أن إطلاق الميت فيما تصح فيه الحياة ، لاجتماعهما في أن لا روح ولا إحساس . "فأحياكم" بخلق الأرواح ، ونفخها فيكم . وإنما عطفه بالفاء لأنه متصل بما عطف عليه ، غير متراخ عنه ، بخلاف البواقي "ثم يميتكم" عندما تقضى آجالكم "ثم يحييكم" بالنشور ، والبعث ، للحساب والجزاء "ثم إليه ترجعون" -بعد الحشر- فيجازيكم بأعمالكم : إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . فما أعجب كفركم مع علمكم بحالتكم هذه . . . !
فإن قيل : إن علموا أنهم كانوا أمواتا فأحياهم ثم يميتهم، لم يعلموا أنه يحييهم ثم إليه [ ص: 90 ] يرجعون ، فكيف نظم ما ينكرونه ، من الإحياء الأخير والرجع ، في سلك ما يعترفون به من الإحياء الأول ، والإماتة . . . . ؟
قلت : تمكنهم من العلم بهما -لما نصب لهم من الدلائل- منزل منزلة علمهم في إزاحة العذر . سيما وفي الآية تنبيه على ما يدل على صحتهما ، وهو أنه تعالى لما قدر على إحيائهم أولا ، قدر على أن يحييهم ثانيا ، فإن بدء الخلق ليس بأهون عليه من إعادته . . ! أو الخطاب ، مع أهل الكتابين ، وإنكار اجتماع الكفر مع القصة التي ذكرها الله تعالى- إما لأنها مشتملة على آيات بينات تصرفهم عن الكفر ، أو على نعم جسام حقها أن تشكر ولا تكفر ، أو لإرادة الأمرين جميعا . فإن ما عدده آيات ، وهي -مع كونها آيات- من أعظم النعم .