[ ص: 4598 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[72 - 73] والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا .
والذين لا يشهدون الزور أي : لا يحضرون الباطل . يقال : (شهد كذا ) أي : حضره . فـ(الزور ) : مفعول به بتقدير مضاف أي : محاله . و(يشهدون ) من الشهادة . فالزور منصوب على المصدر أو بنزع الخافض أي : شهادة الزور أو بالزور . وقد أشار للوجهين بقوله : يحتمل أنهم ينفرون عن محاضر الكذابين ومجالس الخطائين ، فلا يحضرونها ولا يقربونها ، تنزها عن مخالطة الشر وأهله وصيانة لدينهم عما يثلمه . لأن مشاهدة الباطل شركة فيه . ولذلك قيل في النظارة إلى كل ما لم تسوغه الشريعة (هم شركاء فاعلية في الإثم ) لأن حضورهم ونظرهم دليل الرضا به ، وسبب وجوده ، والزيادة فيه لأن الذي سلط على فعله هو استحسان النظارة ، ورغبتهم في النظر إليه . ويحتمل أنهم لا يشهدون شهادة الزور . انتهى وهي الكذب متعمدا على غيره . الزمخشري
قال في (" الكامل " ) : ويروى عن المبرد في هذه الآية : ابن عباس والذين لا يشهدون الزور قال : أعياد المشركين . وقال : الزور الغناء . فقيل ابن مسعود : أو ما هذا في لابن عباس ؟ فقال : لا ، إنما آية شهادة الزور : الشهادة بالزور ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا وإذا مروا باللغو مروا كراما أي : اتفق مرورهم بأهل اللغو ، وهو كل ما ينبغي ويطرح ، مروا معرضين عنهم ، مكرمين أنفسهم عن الخوض معهم كقوله تعالى : وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ويدخل في ذلك الإغضاء عن الفواحش ، والصفح عن الذنوب ، والكناية عما يستهجن التصريح به وذلك لأن كراما : جمع كريم بمعنى مكرم لنفسه وغيره بالصفح ونحوه : والذين إذا ذكروا بآيات ربهم أي وعظوا بها وخوفوا : لم يخروا عليها صما وعميانا أي : بل أكبوا عليها سامعين بآذان واعية ، مجتلين لها [ ص: 4599 ] بعيون راعية . وإنما عبر بنفي الضد ، تعريضا لما يفعله الكفرة والمنافقون من شدة الإعراض والإباء والنفرة ، المستعار لها الخرور على تلك الحالة استعارة بديعة . لما فيهم من إسقاطهم من الإنسانية إلى البهيمية ، بل إلى أدنى منها ، لأنها تسمع وتبصر ، وقد نفينا عنهم .
وفي التنزيل الكريم من ، آيات عديدة . ولذا قال توصيف المؤمنين بوجل قلوبهم لذكره تعالى ، وزيادة إيمانهم إذا تلي عليهم الذكر الحكيم فيهم : هم قوم عقلوا عن الله ، وانتفعوا بما سمعوا من كتابه ويرحم الله قتادة ، فقد قال : كم من رجل يقرؤها ، ويخر عليها أصم أعمى . الحسن البصري