القول في تأويل قوله تعالى:
[169]
nindex.php?page=treesubj&link=29706_34106_34264_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169إنما يأمركم بالسوء والفحشاء استئناف لبيان كيفية عداوته، وتفصيل لفنون شره وإفساده. والسوء: يشكل جميع المعاصي، سواء كانت من أعمال الجوارح، أو أفعال القلوب. و:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169والفحشاء ما تجاوز الحد في القبح من العظائم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون أي: بأن تفتروا عليه تعالى بأنه حرم هذا وذاك بغير علم. فمعنى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169ما لا تعلمون ما لا تعلمون أن الله تعالى أمر به.
[ ص: 370 ] قال
البقاعي: ولقد أبلغ سبحانه في هذه الآية في حسن الدعاء لعباده إليه، لطفا بهم ورحمة لهم، بتذكيرهم في سياق الاستدلال على وحدانيته، بما أنعم عليهم، بخلقه لهم أولا، وبجعله ملائما لهم ثانيا وإباحته لهم ثالثا، وتحذيره لهم من العدو رابعا.... إلى غير ذلك من دقائق الألطاف وجلائل المنن...!اهـ.
قال
الرازي: قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون يتناول جميع المذاهب الفاسدة، بل يتناول مقلد الحق...! لأنه - وإن كان مقلدا للحق - لكنه قال ما لا يعلمه، فصار مستحقا للذم لاندراجه تحت الذم في هذه الآية.! انتهى.
وقال الإمام
ابن القيم في " أعلام الموقعين ": القول على الله بلا علم يعم القول عليه سبحانه في أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وفي دينه وشرعه. وقد جعله الله تعالى من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منها، فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينـزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=117متاع قليل ولهم عذاب أليم ! فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه، وقولهم لما لم يحرمه: هذا حرام. ولما لم يحله: هذا حلال. وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول: هذا حلال وهذا حرام، إلا بما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه.
وقال بعض السلف: ليتق أحدكم أن يقول لما لا يعلم ولا ورد الوحي المبين بتحليله وتحريمه: أحله الله وحرمه، لمجرد التقليد أو بالتأويل.
[ ص: 371 ] وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح، أميره
nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة أن ينزل عدوه إذا حاصرهم، على حكم الله، وقال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=76269« فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا....؟ ولكن [ ص: 372 ] أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك..... » فتأمل، كيف فرق بين حكم الله وحكم الأمير المجتهد، ونهى أن يسمى حكم المجتهدين حكم الله. ومن هذالما كتب الكاتب بين يدي
nindex.php?page=showalam&ids=2أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكما حكم به فقال: هذا ما أرى الله
nindex.php?page=showalam&ids=2أمير المؤمنين عمر، فقال: لا تقل هكذا. ولكن قل هذا ما رأى
nindex.php?page=showalam&ids=2أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: لم يكن من أمر الناس، ولا من مضى من سلفنا، ولا أدركت أحدا أقتدي به، يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام. وما كانوا يجترئون على ذلك. وإنما كانوا يقولون: نكره كذا ونرى هذا حسنا.
ولما نهاهم سبحانه عن متابعة العدو، ذمهم بمتابعته، مع أنه عدو، من غير حجة، بل بمجرد التقليد للجهلة، فقال:
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[169]
nindex.php?page=treesubj&link=29706_34106_34264_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ عَدَاوَتِهِ، وَتَفْصِيلٌ لِفُنُونِ شَرِّهِ وَإِفْسَادِهِ. وَالسُّوءُ: يُشَكِّلُ جَمِيعَ الْمَعَاصِي، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، أَوْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ. وَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وَالْفَحْشَاءِ مَا تَجَاوَزَ الْحَدَّ فِي الْقُبْحِ مِنَ الْعَظَائِمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ أَيْ: بِأَنْ تَفْتَرُوا عَلَيْهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ حَرَّمَ هَذَا وَذَاكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ. فَمَعْنَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169مَا لا تَعْلَمُونَ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ.
[ ص: 370 ] قَالَ
الْبِقَاعِيُّ: وَلَقَدْ أَبْلَغَ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي حُسْنِ الدُّعَاءِ لِعِبَادِهِ إِلَيْهِ، لُطْفًا بِهِمْ وَرَحْمَةً لَهُمْ، بِتَذْكِيرِهِمْ فِي سِيَاقِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ، بِخَلْقِهِ لَهُمْ أَوَّلًا، وَبِجَعْلِهِ مُلَائِمًا لَهُمْ ثَانِيًا وَإِبَاحَتِهِ لَهُمْ ثَالِثًا، وَتَحْذِيرِهِ لَهُمْ مِنَ الْعَدُوِّ رَابِعًا.... إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ دَقَائِقِ الْأَلْطَافِ وَجَلَائِلِ الْمِنَنِ...!اهـ.
قَالَ
الرَّازِيُّ: قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْمَذَاهِبِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ يَتَنَاوَلُ مُقَلِّدَ الْحَقِّ...! لِأَنَّهُ - وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا لِلْحَقِّ - لَكِنَّهُ قَالَ مَا لَا يَعْلَمُهُ، فَصَارَ مُسْتَحِقًّا لِلذَّمِّ لِانْدَرَاجِهِ تَحْتَ الذَّمِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.! انْتَهَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي " أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ ": الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ يَعُمُّ الْقَوْلَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ فِي أَسْمَائِهِ، وَصِفَاتِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَفِي دِينِهِ وَشَرْعِهِ. وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ، بَلْ جَعَلَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا مِنْهَا، فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=117مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ! فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ سُبْحَانَهُ بِالْوَعِيدِ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَوْلِهِمْ لِمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ: هَذَا حَرَامٌ. وَلِمَا لَمْ يَحِلُّهُ: هَذَا حَلَالٌ. وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ، إِلَّا بِمَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحَلَّهُ وَحَرَّمَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ وَلَا وَرَدَ الْوَحْيُ الْمُبَيِّنُ بِتَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ: أَحَلَّهُ اللَّهُ وَحَرَّمَهُ، لِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ أَوْ بِالتَّأْوِيلِ.
[ ص: 371 ] وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، أَمِيرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=134بُرَيْدَةَ أَنْ يَنْزِلَ عَدُوَّهُ إِذَا حَاصَرَهُمْ، عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَقَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=76269« فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا....؟ وَلَكِنْ [ ص: 372 ] أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ وَحُكْمِ أَصْحَابِكَ..... » فَتَأَمَّلْ، كَيْفَ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ الْأَمِيرِ الْمُجْتَهِدِ، وَنَهَى أَنْ يُسَمَّى حُكْمُ الْمُجْتَهِدِينَ حُكْمُ اللَّهِ. وَمِنْ هَذَالَمَّا كَتَبَ الْكَاتِبُ بَيْنَ يَدَيْ
nindex.php?page=showalam&ids=2أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حُكْمًا حَكَمَ بِهِ فَقَالَ: هَذَا مَا أَرَى اللَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=2أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، فَقَالَ: لَا تَقُلْ هَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ هَذَا مَا رَأَى
nindex.php?page=showalam&ids=2أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ: لَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ، وَلَا مَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِنَا، وَلَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ، يَقُولُ فِي شَيْءٍ: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ. وَمَا كَانُوا يَجْتَرِئُونَ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَ: نَكْرَهُ كَذَا وَنَرَى هَذَا حَسَنًا.
وَلَمَّا نَهَاهُمْ سُبْحَانَهُ عَنْ مُتَابَعَةِ الْعَدُوِّ، ذَمَّهُمْ بِمُتَابَعَتِهِ، مَعَ أَنَّهُ عَدُوٌّ، مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ لِلْجَهَلَةِ، فَقَالَ: