وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب [ ص: 392 ] أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين
قوله تعالى: وقالت اليهود يد الله مغلولة قال عن أبو صالح نزلت في ابن عباس: فنحاص اليهودي وأصحابه ، قالوا: يد الله مغلولة . وقال مقاتل: فنحاص وابن صلوبا ، وعازر بن أبي عازر . وفي سبب قولهم هذا ثلاثة أقوال .
أحدها: أن الله تعالى كان قد بسط لهم الرزق ، فلما عصوا الله تعالى في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكفروا به كف عنهم بعض ما كان بسط لهم ، فقالوا: يد الله مغلولة ، رواه عن أبو صالح وبه قال ابن عباس ، عكرمة .
والثاني: أنه الله تعالى استقرض منهم كما استقرض من هذه الأمة ، فقالوا: إن الله بخيل ، ويده مغلولة فهو يستقرضنا ، قاله قتادة .
والثالث: أن النصارى لما أعانوا بختنصر المجوسي على تخريب بيت المقدس ، قالت اليهود: لو كان الله صحيحا ، لمنعنا منه ، فيده مغلولة ، ذكره أيضا . قتادة
والمغلولة: الممسكة المنقبضة . وعن ماذا عنوا أنها ممسكة ، فيه قولان .
أحدهما: عن العطاء ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج .
والثاني: ممسكة عن عذابنا ، فلا يعذبنا إلا تحلة القسم بقدر عبادتنا العجل ، قاله وفي قوله: الحسن . غلت أيديهم ثلاثة أقوال .
أحدها: غلت في جهنم ، قاله والثاني: أمسكت عن الخير ، قاله الحسن . . والثالث: جعلوا بخلاء ، فهم أبخل قوم ، قاله مقاتل . قال الزجاج وهذا خبر أخبر الله تعالى به الخلق أن هذا قد نزل بهم ، وموضعه نصب على معنى الحال . تقديره: قالت اليهود هذا في حال حكم الله بغل أيديهم ، ولعنته [ ص: 393 ] إياهم ، ويجوز أن يكون المعنى: فغلت أيديهم ، ويجوز أن يكون دعاء ، معناه: تعليم الله لنا كيف ندعو عليهم ، كقوله: ابن الأنباري: تبت يدا أبي لهب [اللهب: 1 ] وقوله: لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين [الفتح: 27] .
وفي قوله: ولعنوا بما قالوا ثلاثة أقوال .
أحدها: أبعدوا من رحمة الله . والثاني: عذبوا في الدنيا بالجزية ، وفي الآخرة بالنار . والثالث: مسخوا قردة وخنازير . وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ابن عباس "من لعن شيئا لم يكن للعنه أهلا رجعت اللعنة على اليهود بلعنة الله إياهم" . قال : وقد ذهب قوم إلى أن معنى "يد الله": نعمته ، وهذا خطأ ينقضه الزجاج بل يداه مبسوطتان فيكون المعنى على قولهم: نعمتاه ، ونعم الله أكثر من أن تحصى . والمراد بقوله: بل يداه مبسوطتان : أنه جواد ينفق كيف يشاء وإلى نحو هذا ذهب قال ابن الأنباري . : إن شاء وسع في الرزق ، وإن شاء قتر . ابن عباس
قوله تعالى: وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا
قال : كلما أنزل عليك شيء ، كفروا به ، فيزيد كفرهم . و "الطغيان" هاهنا: الغلو في الكفر . وقال الزجاج مقاتل: وليزيدن بني النضير ما أنزل إليك من ربك من أمر الرجم والدماء طغيانا وكفرا .
[ ص: 394 ] قوله تعالى: وألقينا بينهم العداوة والبغضاء فيمن عني بهذا قولان .
أحدهما: اليهود والنصارى ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، فإن قيل: فأين ذكر النصارى؟ فالجواب: أنه قد تقدم في قوله: ومقاتل . لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . والثاني: أنهم اليهود ، قاله قتادة .
قوله تعالى: كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ذكر إيقاد النار مثل ضرب لاجتهادهم في المحاربة ، وقيل: إن الأصل في استعارة اسم النار للحرب أن القبيلة من العرب كانت إذا أرادت حرب أخرى أوقدت النار على رؤوس الجبال ، والمواضع المرتفعة ، ليعلم استعدادهم للحرب ، فيتأهب من يريد إعانتهم . وقيل: كانوا إذا تحالفوا على الجد في حربهم ، أوقدوا نارا ، وتحالفوا .
وفي معنى الآية قولان .
أحدهما: كلما جمعوا لحرب النبي صلى الله عليه وسلم فرقهم الله .
والثاني: كلما مكروا مكرا رده الله .
قوله تعالى: ويسعون في الأرض فسادا فيه أربعة أقوال .
أحدها: بالمعاصي ، قاله ابن عباس ، والثاني: بمحو ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من كتبهم ، ودفع الإسلام ، قاله ومقاتل . . والثالث: بالكفر . والرابع: بالظلم ، ذكرهما الزجاج . الماوردي