الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين .
قوله تعالى: الشهر الحرام بالشهر الحرام .
هذه الآية نزلت على سبب ، واختلفوا فيه على قولين . أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أقبل هو وأصحابه معتمرين في ذي القعدة ومعهم الهدي ، فصدهم المشركون ، فصالحهم نبي الله على أن يرجع عنهم ثم يعود في العام المقبل ، فيكون بمكة ثلاث ليال ، ولا يدخلها بسلاح ، ولا يخرج بأحد من أهل مكة ، فلما كان العام المقبل; أقبل هو وأصحابه فدخلوها ، فافتخر المشركون عليه إذ ردوه يوم الحديبة ، فأقصه الله منهم وأدخله مكة في الشهر الذي ردوه فيه ، فقال: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص وإلى هذا المعنى ذهب ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وأبو العالية ، في آخرين . والثاني: وقتادة ، أن مشركي العرب قالوا للنبي ، عليه السلام: أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام؟ قال: "نعم" وأرادوا أن يفتروه في الشهر الحرام ، فيقاتلوه فيه ، فنزلت هذه الآية ، يقول: إن استحلوا منكم شيئا في الشهر الحرام ، فاستحلوا منهم مثله ، هذا قول واختاره الحسن ، إبراهيم بن السري فأما أرباب القول الأول; فيقولون معنى الآية: الشهر الحرام [ ص: 202 ] الذي دخلتم فيه والزجاج . الحرم بالشهر الحرام الذي صدوكم فيه عام أول . (والحرمات قصاص): اقتصصت لكم منهم في ذي القعدة كما صدوكم في ذي القعدة . وقال الشهر الحرام ، أي: قتال الشهر الحرام بالشهر الحرام ، فأعلم الله تعالى أن أمر هذه الحرمات لا تجوز للمسلمين إلا قصاصا ، ثم نسخ ذلك بآية السيف ، وقيل: إنما جمع الحرمات ، لأنه أراد الشهر الحرام الزجاج: بالبلد الحرام ، وحرمة الإحرام .
قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه قال من قاتلكم في الحرم فقاتلوه . وإنما سمى المقابلة على الاعتداء اعتداء ، لأن صورة الفعلين واحدة ، وإن كان أحدهما: طاعة والآخر معصية . قال ابن عباس: الزجاج: والعرب تقول: ظلمني فلان فظلمته ، أي: جازيته بظلمه . وجهل فلان علي ، فجهلت عليه . وقد سبق بيان هذا المعنى في أول السورة .
قوله تعالى: (واتقوا الله) قال : واتقوا الله ، ولا تبدؤوهم بقتال في الحرم . سعيد بن جبير