وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ونيسرك لليسرى فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيا .
[ ص: 87 ] وفي معنى سبح خمسة أقوال .
أحدها: قل: سبحان ربي الأعلى، قاله الجمهور .
والثاني: عظم .
والثالث: صل بأمر ربك، روي القولان عن ابن عباس .
والرابع: نزه ربك عن السوء، قاله الزجاج .
والخامس: نزه اسم ربك وذكرك إياه أن تذكره وأنت معظم له، خاشع له، ذكره الثعلبي .
وفي قوله تعالى: اسم ربك قولان .
أحدهما: أن ذكر الاسم صلة، كقول لبيد بن ربيعة:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
[ ص: 88 ] والثاني: أنه أصلي . وقال [سبح ربك، و]سبح اسم ربك سواء في كلام الفراء: العرب .
قوله تعالى: الذي خلق فسوى أي: فعدل الخلق . وقد أشرنا إلى هذا المعنى في [الانفطار: 7] والذي قدر قرأ وحده " قدر " بالتخفيف الكسائي فهدى فيه سبعة أقوال .
أحدها: قدر الشقاوة والسعادة، وهدى للرشد والضلالة، قاله مجاهد .
والثاني: جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها إليه، قاله عطاء .
والثالث: قدر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج، قاله السدي .
والرابع: قدرهم ذكورا وإناثا، وهدى الذكر لإتيان الأنثى، قاله مقاتل .
[ ص: 89 ] والخامس: أن المعنى: قدر فهدى وأضل، فحذف " وأضل " ، لأن في الكلام دليلا على ذلك، حكاه الزجاج .
والسادس: قدر الأرزاق، وهدى إلى طلبها .
والسابع: قدر الذنوب، وهدى إلى التوبة، حكاهما الثعلبي .
قوله تعالى: والذي أخرج المرعى أي: أنبت العشب، وما ترعاه البهائم فجعله بعد الخضرة غثاء قال أي: جففه حتى جعله هشيما جافا كالغثاء الذي تراه فوق ماء السيل . وقد بينا هذا في سورة [المؤمنين: 41] فأما قوله تعالى: الزجاج: أحوى فقال الأحوى: الذي قد اسود عن القدم، والعتق، ويكون أيضا: أخرج المرعى أحوى: أسود من الخضرة، فجعله غثاء كما قال تعالى: الفراء: مدهامتان [الرحمن: 64] .
قوله تعالى: سنقرئك فلا تنسى قال سنعلمك القرآن، ونجمعه في قلبك فلا تنساه أبدا . مقاتل:
قوله تعالى: إلا ما شاء الله فيه ثلاثة أقوال .
[ ص: 90 ] أحدها: إلا ما شاء الله أن ينسخه فتنساه، قاله الحسن، وقتادة .
والثاني: إلا ما شاء الله أن تنسى شيئا، فإنما هو كقوله تعالى: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك [هود: 107]، فلا يشاء .
قوله تعالى: إنه يعلم الجهر من القول والفعل وما يخفى منهما ونيسرك لليسرى أي: نسهل عليك عمل الخير فذكر أي: عظ أهل مكة إن نفعت الذكرى وفي " إن " ثلاثة أقوال .
أحدها: أنها الشرطية، وفي معنى الكلام قولان، أحدهما: إن قبلت الذكرى، قاله والثاني: إن نفعت وإن لم تنفع، قاله يحيى بن سلام . علي بن أحمد النيسابوري .
والثاني: أنها بمعنى " قد " ، فتقديره: قد نفعت الذكرى، قاله مقاتل .
والثالث: أنها بمعنى " ما " فتقديره: فذكر ما نفعت الذكرى، حكاه الماوردي .
قوله تعالى: سيذكر سيتعظ بالقرآن من يخشى ويتجنبها [ ص: 91 ] ويتجنب الذكرى الأشقى الذي يصلى النار الكبرى أي: العظيمة الفظيعة لأنها أشد من نار الدنيا ثم لا يموت فيها فيستريح ولا يحيا حياة تنفعه . وقال تصير نفس أحدهم في حلقه، فلا تخرج فتفارقه فيموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا . ابن جرير: