صلى الله عليه وسلم
وفيها قولان .
أحدهما: [أنها] مدنية، قاله الأكثرون، منهم مجاهد، وحكي عن ومقاتل . ابن عباس أنها مدنية، إلا آية منها نزلت عليه بعد حجه حين خرج من وقتادة مكة وجعل ينظر إلى البيت، وهي قوله: وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك [محمد: 13] .
والثاني: أنها مكية، قاله الضحاك، والسدي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم . والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم . ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم . فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم [ ص: 396 ] فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم . ويدخلهم الجنة عرفها لهم
قوله تعالى: الذين كفروا أي: بتوحيد الله وصدوا الناس عن الإيمان به، وهم مشركو قريش، أضل أعمالهم أي: أبطلها، ولم يجعل لها ثوابا، فكأنها لم تكن; وقد كانوا يطعمون الطعام، ويصلون الأرحام، ويتصدقون، ويفعلون ما يعتقدونه قربة .
والذين آمنوا وعملوا الصالحات يعني أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وآمنوا بما نزل على محمد وقرأ "نزل" بفتح النون والزاي وتشديدها . وقرأ ابن مسعود: ، أبي بن كعب ومعاذ القارئ: "أنزل" بهمزة مضمومة مكسورة الزاي . وقرأ أبو رزين، وأبو الجوزاء، وأبو عمران: "نزل" بفتح النون والزاي وتخفيفها، كفر عنهم سيئاتهم أي: غفرها لهم وأصلح بالهم أي: حالهم، قاله ، قتادة والمبرد .
قوله تعالى: ذلك قال : معناه: الأمر ذلك، وجائز أن يكون: ذلك الإضلال، لاتباعهم الباطل، وتلك الهداية والكفارات باتباع المؤمنين الحق، الزجاج كذلك يضرب الله للناس أمثالهم أي: كذلك يبين أمثال حسنات المؤمنين وسيئات الكافرين كهذا البيان .
قوله تعالى: فضرب الرقاب إغراء; والمعنى: فاقتلوهم، لأن الأغلب في موضع القتل ضرب العنق حتى إذا أثخنتموهم أي: أكثرتم فيهم [ ص: 397 ] القتل فشدوا الوثاق يعني في الأسر; وإنما يكون الأسر بعد المبالغة في القتل . و "الوثاق" اسم من الإيثاق; تقول: أوثقته إيثاقا ووثاقا، إذا شددت أسره لئلا يفلت فإما منا بعد قال إما أن تمنوا، وإما أن تفادوا، ومثله: سقيا، ورعيا، وإنما هو سقيت ورعيت . وقال أبو عبيدة: : إما مننتم عليهم بعد أن تأسروهم منا، وإما أطلقتموهم بفداء . الزجاج
فصل
وهذه الآية محكمة عند عامة العلماء . وممن ذهب إلى أن حكم المن والفداء باق لم ينسخ: ابن عمر، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، وأحمد، وذهب قوم إلى نسخ المن والفداء بقوله: والشافعي . فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ، وممن ذهب إلى هذا ابن جريج، والسدي، وأبو حنيفة . وقد أشرنا إلى القولين في [براءة: 5] .
قوله تعالى: حتى تضع الحرب أوزارها قال حتى لا يبقى أحد من المشركين . وقال ابن عباس: حتى لا يكون دين إلا دين الإسلام . وقال مجاهد: حتى يخرج سعيد بن جبير: المسيح . وقال حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم . وفي معنى الكلام قولان . الفراء:
أحدهما: حتى يضع أهل الحرب سلاحهم; قال الأعشى:
وأعددت للحرب أوزارها: رماحا طوالا وخيلا ذكورا
[ ص: 398 ] وأصل "الوزر" ما حملته، فسمي السلاح "أوزارا" لأنه يحمل، هذا قول ابن قتيبة .
والثاني: حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بأن يسلموا ولا يعبدوا إلا الله، ذكره الواحدي .
قوله تعالى: ذلك أي: الأمر ذلك الذي ذكرنا ولو يشاء الله لانتصر منهم بإهلاكهم أوتعذيبهم بما شاء ولكن أمركم بالحرب ليبلو بعضكم ببعض فيثيب المؤمن ويكرمه بالشهادة، ويخزي الكافر بالقتل والعذاب .
قوله تعالى: والذين قتلوا قرأ أبو عمرو، وحفص عن "قتلوا" بضم القاف وكسر التاء; والباقون: "قاتلوا" بألف . عاصم:
قوله تعالى: سيهديهم فيه أربعة أقوال . أحدها: يهديهم إلى أرشد الأمور، قاله والثاني: يحقق لهم الهداية، قاله ابن عباس . والثالث: إلى محاجة الحسن . منكر ونكير . والرابع: إلى طريق الجنة، حكاهما الماوردي .
وفي قوله: عرفها لهم قولان .
أحدهما: عرفهم منازلهم فيها فلا يستدلون عليها ولا يخطئونها، هذا قول الجمهور، منهم مجاهد، واختاره وقتادة، الفراء، وأبو عبيدة .
والثاني: طيبها لهم، رواه عن عطاء قال ابن عباس . : وهو قول أصحاب اللغة، يقال: طعام معرف، أي: مطيب . ابن قتيبة
وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء، وابن محيصن: "عرفها لهم" بتخفيف الراء .