قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين . قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين .
قوله تعالى: قل ما كنت بدعا من الرسل أي: ما أنا بأول رسول . والبدع والبديع من كل شيء: المبتدأ وما أدري ما يفعل بي ولا بكم وقرأ ابن يعمر، "ما يفعل" بفتح الياء . ثم فيه قولان . وابن أبي عبلة:
[ ص: 372 ] أحدهما: أنه أراد بذلك ما يكون في الدنيا . ثم فيه قولان .
أحدهما: [أنه] لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى في المنام أنه هاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فقصها على أصحابه، فاستبشروا بذلك لما يلقون من أذى المشركين . ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك، فقالوا: يا رسول الله متى تهاجر إلى الأرض التي رأيت؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ، يعني لا أدري، أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم لا؟ ثم قال: "إنما هو شيء رأيته في منامي، وما ( اتبع إلا ما يوحى إلي ) "، رواه عن أبو صالح وكذلك قال ابن عباس . عطية: ما أدري هل يتركني بمكة أو يخرجني منها .
والثاني: ما أدري هل أخرج كما أخرج الأنبياء قبلي، أو أقتل كما قتلوا، ولا أدري ما يفعل بكم، أتعذبون أم تؤخرون؟ أتصدقون أم تكذبون؟ قاله الحسن
والقول الثاني: أنه أراد ما يكون في الآخرة . روى ابن أبي طلحة عن [ ص: 373 ] قال: لما نزلت هذه الآية، نزل بعدها ابن عباس ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [الفتح: 2] وقال: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات . . . الآية [الفتح: 5] فأعلم ما يفعل به وبالمؤمنين . وقيل: إن المشركين فرحوا عند نزول هذه الآية وقالوا: ما أمرنا وأمر محمد إلا واحد، ولولا أنه ابتدع ما يقوله لأخبره الذي بعثه بما يفعل به، فنزل قوله: ليغفر لك الله . . . الآية [الفتح: 2]، فقال الصحابة: هنيئا لك يا رسول الله، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات . . . الآية [الفتح: 5]; وممن ذهب إلى هذا القول أنس، وعكرمة، وروي عن وقتادة . ذلك . الحسن
قوله تعالى: قل أرأيتم إن كان من عند الله يعني القرآن وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل وفيه قولان .
أحدهما: أنه رواه عبد الله بن سلام، عن العوفي وبه قال ابن عباس، الحسن، وقتادة، ومجاهد، ، والضحاك وابن زيد .
والثاني: أنه موسى بن عمران عليه السلام، قاله الشعبي، ومسروق .
فعلى القول الأول يكون ذكر المثل صلة، فيكون المعنى: وشهد شاهد من بني إسرائيل عليه، أي: على أنه من عند الله، فآمن الشاهد، وهو ابن سلام واستكبرتم يا معشر اليهود .
وعلى الثاني يكون المعنى: وشهد موسى على التوراة التي هي مثل القرآن [ ص: 374 ] أنها من عند الله، كما شهد محمد على القرآن أنه كلام الله، "فآمن" من آمن بموسى والتوراة "واستكبرتم" أنتم يا معشر العرب أن تؤمنوا بمحمد والقرآن .
فإن قيل: أين جواب "إن"؟ قيل: هو مضمر; وفي تقديره ستة أقوال . أحدها: أن جوابه: فمن أضل منكم، قاله والثاني: أن تقدير الكلام: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن، أتؤمنون؟ قاله الحسن . . والثالث: أن تقديره: أتأمنون عقوبة الله؟ قاله الزجاج والرابع: أن تقديره: أفما تهلكون؟ ذكره أبو علي الفارسي . والخامس: من المحق منا ومنكم ومن المبطل؟ ذكره الماوردي . والسادس: أن تقديره: أليس قد ظلمتم؟ ويدل على هذا المحذوف قوله: الثعلبي . إن الله لا يهدي القوم الظالمين ، ذكره الواحدي .