وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم . وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون . ولا يملك الذين يدعون [ ص: 333 ] من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون . ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون . وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون . فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون .
قوله تعالى: وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله قال مجاهد، يعبد في السماء ويعبد في الأرض . وقال وقتادة: : هو الموحد في السماء وفي الأرض . وقرأ الزجاج عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عباس، وابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري : "في السماء الله وفي الأرض الله" بألف ولام من غير تنوين ولا همز فيهما . وما بعد هذا سبق بيانه [الأعراف: 54، لقمان: 34] إلى قوله: ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة سبب نزولها أن النضر بن الحارث ونفرا معه قالوا: إن كان ما يقول محمد حقا، فنحن نتولى الملائكة، فهم أحق بالشفاعة من محمد، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل .
[ ص: 334 ] وفي معنى الآية قولان .
أحدهما: أنه أراد بالذين يدعون من دونه: آلهتهم، ثم استثنى عيسى وعزيرا والملائكة، فقال: إلا من شهد بالحق وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله وهم يعلمون بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم، وهذا مذهب الأكثرين، منهم قتادة .
والثاني: أن المراد بالذين يدعون: عيسى وعزير والملائكة الذين عبدهم المشركون بالله لا يملك هؤلاء الشفاعة لأحد إلا من شهد أي: [إلا] لمن شهد بالحق وهي كلمة الإخلاص وهم يعلمون أن الله عز وجل خلق عيسى وعزيرا والملائكة، وهذا مذهب قوم، منهم وفي الآية دليل على أن شرط جميع الشهادات أن يكون الشاهد عالما بما يشهد به . مجاهد .
قوله تعالى: وقيله يا رب قال هذا نبيكم يشكو قومه إلى ربه . وقال قتادة: شكا إلى الله تخلف قومه عن الإيمان . قرأ ابن عباس: ابن كثير، ونافع، وابن عامر، : "وقيله" بنصب اللام; وفيها ثلاثة أوجه . وأبو عمرو
أحدها: أنه أضمر معها قولا، كأنه قال: وقال قيله، وشكا شكواه إلى ربه .
والثاني: أنه عطف على قوله: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله; فالمعنى: ونسمع قيله، ذكر القولين الفراء، والأخفش .
والثالث: أنه منصوب على معنى: وعنده علم الساعة ويعلم قيله، لأن معنى "وعنده علم الساعة": يعلم الساعة ويعلم قيله، هذا اختيار وقرأ الزجاج . عاصم، "وقيله" بكسر اللام والهاء حتى تبلغ إلى الياء; والمعنى: وعنده علم الساعة وعلم قيله . وقرأ وحمزة: أبو هريرة، وأبو رزين ، [ ص: 335 ] وسعيد بن جبير، وأبو رجاء، والجحدري ، وقتادة، وحميد: برفع اللام; والمعنى: ونداؤه هذه الكلمة: يارب; ذكر علة الخفض والرفع الفراء والزجاج .
قوله تعالى: فاصفح عنهم أي: فأعرض عنهم وقل سلام فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: قل خيرا بدلا من شرهم، قاله السدي .
والثاني: اردد [عليهم] معروفا، قاله مقاتل .
والثالث: قل ما تسلم به من شرهم، حكاه الماوردي .
فسوف يعلمون فيه ثلاثة أقوال . أحدها: يعلمون عاقبة كفرهم . والثاني: أنك صادق . والثالث: حلول العذاب بهم، وهذا تهديد لهم: "فسوف يعلمون" . وقرأ نافع، "تعلمون" بالتاء . ومن قرأ بالياء، فعلى الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يخاطبهم بهذا، قاله وابن عامر: فنسخت آية السيف الإعراض والسلام . مقاتل;