واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون . ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون [ ص: 319 ] وملئه فقال إني رسول رب العالمين، فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون . وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون . وقالوا يا أيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون . فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون . ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون . أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين . فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين . فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين . فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين . فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين .
قوله تعالى: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا إن قيل: كيف يسأل الرسل وقد ماتوا قبله؟ فعنه ثلاثة أجوبة .
أحدها: أنه لما أسري به جمع له الأنبياء فصلى بهم، ثم قال [له] جبريل: سل من أرسلنا قبلك . . . الآية . فقال: لا أسأل، قد اكتفيت، رواه عن عطاء وهذا قول ابن عباس، سعيد بن جبير، والزهري، وابن زيد; قالوا: جمع له الرسل ليلة أسري به، فلقيهم، وأمر أن يسألهم، فما شك ولا سأل .
والثاني: أن المراد: [اسأل] مؤمني أهل الكتاب [من] الذين أرسلت إليهم الأنبياء، روي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، في آخرين . قال والسدي والمعنى: سل أتباع من أرسلنا قبلك، [ ص: 320 ] كما تقول: السخاء حاتم، أي: سخاء حاتم، والشعر زهير، أي: شعر ابن الأنباري: زهير . وعند المفسرين أنه لم يسأل على القولين . وقال : هذا سؤال تقرير، فإذا سأل جميع الأمم، لم يأتوا بأن في كتبهم: أن اعبدوا غيري . الزجاج
والثالث: [أن] المراد بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم: خطاب أمته، فيكون المعنى: سلوا، قاله . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: الزجاج إذا هم منها يضحكون استهزاء بها وتكذيبا .
وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها يعني ما ترادف عليهم من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس، فكانت كل آية أكبر من التي قبلها، وهي العذاب المذكور في قوله: وأخذناهم بالعذاب ، فكانت عذابا لهم، ومعجزات لموسى عليه السلام .
قوله تعالى: وقالوا يا أيه الساحر في خطابهم له بهذا ثلاثة أقوال .
أحدها: أنهم أرادوا: يا أيها العالم، وكان الساحر فيهم عظيما، رواه عن أبو صالح ابن عباس .
والثاني: أنهم قالوه على جهة الاستهزاء، قاله الحسن .
والثالث: أنهم خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر، قاله . الزجاج
قوله تعالى: إننا لمهتدون أي: مؤمنون بك . فدعا موسى، فكشف عنهم، فلم يؤمنوا . وقد ذكرنا ما تركناه هاهنا في [الأعراف: 135] .
قوله تعالى: تجري من تحتي أي: من تحت قصوري أفلا تبصرون عظمتي وشدة ملكي؟!
[ ص: 321 ] أم أنا خير قال أراد بل أنا خير . وحكى أبو عبيدة: عن الزجاج سيبويه أنهما قالا: عطف "أنا" بـ "أم" على "أفلا تبصرون" [فكأنه قال: أفلا تبصرون] أم أنتم بصراء؟! لأنهم إذا قالوا: أنت خير منه، فقد صاروا عنده بصراء . قال والخليل : والمهين: القليل; يقال: شيء مهين، أي: قليل . وقال الزجاج "مهين" بمعنى ذليل ضعيف . مقاتل:
قوله تعالى: ولا يكاد يبين أشار إلى عقدة لسانه التي كانت به ثم أذهبها الله عنه، فكأنه عيره بشيء قد كان وزال، ويدل على زواله قوله تعالى: قد أوتيت سؤلك يا موسى [طه: 36]، وكان في سؤاله: واحلل عقدة من لساني [طه: 27] . وقال بعض العلماء: ولا يكاد يبين الحجة ولا يأتي ببيان يفهم .
فلولا أي: فهلا ( ألقي عليه أساورة من ذهب ) وقرأ حفص عن [ ص: 322 ] "أسورة" بغير ألف . قال عاصم: واحد الأساورة: إسوار، وقد تكون الأساورة جمع أسورة، كما يقال في جمع الأسقية: الأساقي، وفي جمع الأكرع: الأكارع . وقال الفراء: : يصلح أن تكون الأساورة جمع الجمع، تقول: أسورة وأساورة، كما تقول: أقوال وأقاويل، ويجوز أن تكون جمع إسوار، وإنما صرفت أساورة، لأنك ضممت الهاء إلى أساور، فصار اسما واحدا، وصار له مثال في الواحد، نحو "علانية" . الزجاج
قال المفسرون: إنما قال فرعون هذا، لأنهم كانوا إذا سودوا الرجل منهم سوروه بسوار .
أو جاء معه الملائكة مقترنين فيه قولان . أحدهما: متتابعين، قاله . والثاني: يمشون معه، قاله قتادة . الزجاج
قوله تعالى: فاستخف قومه قال استفزهم; وقال غيره: استخف أحلامهم وحملهم على خفة الحلم بكيده وغروره الفراء: فأطاعوه في تكذيب موسى .
فلما آسفونا قال أغضبونا . قال ابن عباس: : الأسف: الغضب، يقال: آسفت آسف أسفا، أي: غضبت . ابن قتيبة
فجعلناهم سلفا أي: قوما تقدموا . وقرأها أبو هريرة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وحميد الأعرج: "سلفا" بضم السين وفتح اللام، كأن واحدته سلفة من الناس، مثل القطعة، يقال: تقدمت سلفة من الناس، أي: قطعة منهم . وقرأ حمزة، "سلفا" بضم السين واللام، وهو [ ص: 323 ] جمع "سلف"، كما قالوا: خشب وخشب ، وثمر وثمر ، ويقال: هو جمع "سليف"، وكله من التقدم . وقال والكسائي: : "السليف" جمع قد مضى; والمعنى: جعلناهم سلفا متقدمين ليتعظ بهم الآخرون . الزجاج
قوله تعالى: ومثلا أي: عبرة [وعظة] .