إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
قوله تعالى : " إنا كفيناك المستهزئين " المعنى : فاصدع بأمري كما كفيتك المستهزئين ، وهم قوم كانوا يستهزئون به وبالقرآن . وفي عددهم قولان :
أحدهما : أنهم كانوا خمسة : الوليد بن المغيرة ، وأبو زمعة ، والأسود بن عبد يغوث ، والعاص بن وائل ، والحارث بن قيس ، قاله . واسم ابن عباس أبي زمعة : الأسود بن المطلب . وكذلك ذكرهم ، إلا أنه قال مكان سعيد بن جبير : الحارث بن قيس الحارث بن غيطلة ، قال : الزهري غيطلة أمه ، وقيس أبوه ، فهو واحد . وإنما ذكرت ذلك ، لئلا يظن أنه غيره . وقد ذكرت في كتاب " التلقيح " من ينسب إلى أمه من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وسميت آباءهم ليعرفوا إلى أي الأبوين نسبوا . وفي رواية عن مكان ابن عباس : الحارث بن قيس عدي بن قيس .
والثاني : أنهم كانوا سبعة ، قاله ، الشعبي وابن أبي بزة ، وعدهم ابن أبي بزة ، فقال : العاص بن وائل ، والوليد بن المغيرة ، والحارث بن عدي ، والأسود بن المطلب ، والأسود بن عبد يغوث ، وأصرم وبعكك ابنا عبد الحارث بن السباق . [ ص: 422 ] وكذلك عدهم ، إلا أنه قال مكان مقاتل الحارث بن عدي : الحارث بن قيس السهمي ، وقال : أصرم وبعكك ابنا الحجاج بن السباق .
ذكر ما أهلكهم الله به وكفى رسوله صلى الله عليه وسلم أمرهم
قال المفسرون : جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمستهزئون يطوفون بالبيت ، فمر الوليد بن المغيرة ، فقال جبريل : يا محمد ، كيف تجد هذا ؟ فقال : " بئس عبد الله " ، قال : قد كفيت ، وأومأ إلى ساق الوليد ، فمر الوليد برجل يريش نبلا له ، فتعلقت شظية من نبل بإزاره ، فمنعه الكبر أن يطامن لينزعها ، وجعلت تضرب ساقه ، فمرض ومات . وقيل : تعلق سهم بثوبه فأصاب أكحله فقطعه ، فمات . ومر العاص بن وائل ، فقال جبريل : كيف تجد هذا يا محمد ؟ فقال : " بئس عبد الله " فأشار إلى أخمص رجله ، وقال : قد كفيت ، فدخلت شوكة في أخمصه ، فانتفخت رجله ومات . ومر الأسود بن المطلب ، فقال : كيف تجد هذا ؟ قال : " عبد سوء " فأشار بيده إلى عينيه ، فعمي وهلك . وقيل : جعل ينطح برأسه الشجر ويضرب وجهه بالشوك ، فاستغاث بغلامه ، فقال : لا أرى أحدا يصنع بك هذا غير نفسك ، فمات وهو يقول : قتلني رب محمد . ومر الأسود بن عبد يغوث ، فقال جبريل : كيف تجد هذا ؟ فقال : " بئس عبد الله " ، فقال : قد كفيت ، وأشار إلى بطنه ، فسقى بطنه ، فمات . وقيل : أصاب عينه شوك ، فسالت حدقتاه . وقيل : خرج عن أهله فأصابه السموم ، فاسود حتى عاد حبشيا ، فلما أتى أهله لم يعرفوه ، فأغلقوا دونه الأبواب حتى مات . [ ص: 423 ] ومر به ، فقال : كيف تجد هذا ؟ قال : " عبد سوء " فأومأ إلى رأسه ، وقال : قد كفيت ، فانتفخ رأسه فمات ، وقيل : أصابه العطش ، فلم يزل يشرب الماء حتى انقد بطنه . وأما الحارث بن قيس أصرم وبعكك ، فقال : أخذت أحدهما الدبيلة والآخر ذات الجنب ، فماتا جميعا مقاتل . قال أتى : هلك المستهزئون قبل عكرمة بدر . وقال : أهلكوا جميعا في يوم وليلة . ابن السائب
قوله تعالى : " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون " فيه قولان :
أحدهما : أنه التكذيب . والثاني : الاستهزاء .
قوله تعالى : " فسبح بحمد ربك " فيه قولان :
أحدهما : قل : سبحان الله وبحمده ، قاله . والثاني : فصل بأمر ربك ، قاله الضحاك . مقاتل
وفي قوله : " وكن من الساجدين " قولان :
أحدهما : من المصلين . والثاني : من المتواضعين ، رويا عن . ابن عباس
قوله تعالى : " حتى يأتيك اليقين " فيه قولان :
أحدهما : أنه الموت ، قاله ، ابن عباس ، والجمهور . وسمي يقينا ، لأنه موقن به . وقال ومجاهد : معنى الآية : اعبد ربك أبدا ، ولو قيل : اعبد ربك ، بغير توقيت ، لجاز إذا عبد الإنسان مرة أن يكون مطيعا ، فلما قال : " الزجاج حتى يأتيك اليقين " أمر بالإقامة على العبادة ما دام حيا .
[ ص: 424 ] والثاني : أنه الحق الذي لا ريب فيه من نصرك على أعدائك ، حكاه . الماوردي