وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى
(133) أي: قال المكذبون للرسول - صلى الله عليه وسلم- : هلا يأتينا بآية من ربه؟ يعنون آيات الاقتراح كقولهم: وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا .
وهذا تعنت منهم وعناد وظلم؛ فإنهم هم والرسول بشر عبيد لله، فلا يليق منهم الاقتراح بحسب أهوائهم وإنما الذي ينزلها ويختار منها ما يختار بحسب حكمته هو الله.
ولما كان قولهم: لولا يأتينا بآية من ربه يقتضي أنه لم يأتهم بآية على صدقه ولا بينة على حقه - وهذا كذب وافتراء - فإنه أتى من المعجزات الباهرات والآيات القاهرات ما يحصل ببعضه المقصود، ولهذا قال: أولم تأتهم إن كانوا صادقين في قولهم وأنهم يطلبون الحق بدليله بينة ما في الصحف الأولى أي: هذا القرآن العظيم، المصدق لما في الصحف الأولى من التوراة والإنجيل والكتب السابقة، المطابق لها، المخبر بما أخبرت به، وتصديقه - أيضا - مذكور فيها، ومبشر بالرسول بها، وهذا كقوله تعالى: أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة [ ص: 1053 ] وذكرى لقوم يؤمنون فالآيات تنفع المؤمنين، ويزداد بها إيمانهم وإيقانهم، وأما المعرضون عنها المعارضون لها فلا يؤمنون بها ولا ينتفعون بها إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب .
(134) وإنما الفائدة في سوقها إليهم ومخاطبتهم بها لتقوم عليهم حجة الله، ولئلا يقولوا حين ينزل بهم العذاب: لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى بالعقوبة، فها قد جاءكم رسولي ومعه آياتي وبراهيني، فإن كنتم كما تقولون فصدقوه.
(135) قل يا محمد مخاطبا للمكذبين لك الذين يقولون: تربصوا به ريب المنون قل كل متربص فتربصوا بي الموت، وأنا أتربص بكم العذاب: قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين أي: الظفر أو الشهادة فنحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ؛ أي: المستقيم، ومن اهتدى بسلوكه، أنا أم أنتم؟ فإن صاحبه هو الفائز الراشد، الناجي المفلح، ومن حاد عنه خاسر خائب معذب، وقد علم أن الرسول هو الذي بهذه الحالة، وأعداؤه بخلافه، والله أعلم.