ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين
(16 ) يقول تعالى -مبينا كمال اقتداره ورحمته بخلقه-: ولقد جعلنا في السماء بروجا أي: نجوما كالأبراج والأعلام العظام يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وزيناها للناظرين فإنه لولا النجوم لما كان للسماء هذا المنظر البهي والهيئة العجيبة، وهذا مما يدعو الناظرين إلى التأمل فيها والنظر في معانيها والاستدلال بها على باريها.
(17 وحفظناها من كل شيطان رجيم إذا استرق السمع؛ اتبعته الشهب الثواقب، فبقيت السماء ظاهرها مجمل بالنجوم النيرات، وباطنها محروس ممنوع من الآفات.
[ ص: 860 ] (18 إلا من استرق السمع أي: في بعض الأوقات قد يسترق بعض الشياطين السمع بخفية واختلاس، فأتبعه شهاب مبين أي: بين منير يقتله أو يخبله. فربما أدركه الشهاب قبل أن يوصلها الشيطان إلى وليه فينقطع خبر السماء عن الأرض، وربما ألقاها إلى وليه قبل أن يدركه الشهاب فيضمها، ويكذب معها مائة كذبة، ويستدل بتلك الكلمة التي سمعت من السماء.
(19 والأرض مددناها أي: وسعناها سعة يتمكن الآدميون والحيوانات كلها على الامتداد بأرجائها والتناول من أرزاقها والسكون في نواحيها.
وألقينا فيها رواسي أي: جبالا عظاما تحفظ الأرض بإذن الله أن تميد ، وتثبتها أن تزول.
وأنبتنا فيها من كل شيء موزون أي: نافع متقوم يضطر إليه العباد والبلاد ما بين نخيل وأعناب وأصناف الأشجار وأنواع النبات.
(20 وجعلنا لكم فيها معايش من الحرث ومن الماشية ومن أنواع المكاسب والحرف. ومن لستم له برازقين أي: أنعمنا عليكم بعبيد وإماء وأنعام لنفعكم ومصالحكم ، وليس عليكم رزقها، بل خولكم الله إياها وتكفل بأرزاقها.