ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا
[ ص: 318 ] (60-61) يعجب تعالى عباده من حالة المنافقين. الذين يزعمون أنهم مؤمنون بما جاء به الرسول وبما قبله، ومع هذا يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وهو كل من حكم بغير شرع الله فهو طاغوت.
والحال أنهم " قد أمروا أن يكفروا به " فكيف يجتمع هذا والإيمان؟ فإن الإيمان يقتضي الانقياد لشرع الله وتحكيمه في كل أمر من الأمور، فمن زعم أنه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله، فهو كاذب في ذلك. وهذا من إضلال الشيطان إياهم، ولهذا قال: ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا عن الحق.
(62) فكيف يكون حال هؤلاء الضالين (إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ) من المعاصي ومنها تحكيم الطاغوت؟!
ثم جاءوك معتذرين لما صدر منهم، ويقولون: إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا أي: ما قصدنا في ذلك إلا الإحسان إلى المتخاصمين والتوفيق بينهم، وهم كذبة في ذلك. فإن الإحسان كل الإحسان تحكيم الله ورسوله ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون .
(63) ولهذا قال: أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم أي: من النفاق والقصد السيئ. فأعرض عنهم أي: لا تبال بهم ولا تقابلهم على ما فعلوه واقترفوه. وعظهم أي: بين لهم حكم الله تعالى مع الترغيب في الانقياد لله، والترهيب من تركه وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا أي: انصحهم سرا بينك وبينهم، فإنه أنجح لحصول المقصود، وبالغ في زجرهم وقمعهم عما كانوا عليه، وفي هذا دليل على أن حصول المقصود به. مقترف المعاصي وإن أعرض عنه فإنه ينصح سرا، ويبالغ في وعظه بما يظن