تفسير سورة الانشقاق
وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من [ ص: 1951 ] أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرا
يقول تعالى مبينا لما يكون في يوم القيامة من تغير الأجرام العظام: إذا السماء انشقت أي: انفطرت وتمايز بعضها من بعض، وانتثرت نجومها، وخسف بشمسها وقمرها.
وأذنت لربها أي: استمعت لأمره، وألقت سمعها، وأصاخت لخطابه، وحق لها ذلك، فإنها مسخرة مدبرة تحت مسخر ملك عظيم، لا يعصى أمره، ولا يخالف حكمه.
وإذا الأرض مدت أي: رجفت وارتجت، ونسفت عليها جبالها، ودك ما عليها من بناء ومعلم، فسويت، ومدها الله تعالى مد الأديم، حتى صارت واسعة جدا، تسع أهل الموقف على كثرتهم، فتصير قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا.
وألقت ما فيها من الأموات والكنوز.
وتخلت منهم، فإنه ينفخ في الصور، فتخرج الأموات من الأجداث إلى وجه الأرض، وتخرج الأرض كنوزها، حتى تكون كالإسطوان العظيم، يشاهده الخلق، ويتحسرون على ما هم فيه يتنافسون، وأذنت لربها وحقت يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه أي: إنك ساع إلى الله، وعامل بأوامره ونواهيه، ومتقرب إليه إما بالخير وإما بالشر، ثم تلاقي الله يوم القيامة، فلا تعدم منه جزاء بالفضل إن كنت سعيدا، وبالعقوبة إن كنت شقيا .
ولهذا ذكر تفصيل الجزاء، فقال: فأما من أوتي كتابه بيمينه وهم أهل السعادة.
فسوف يحاسب حسابا يسيرا وهو العرض اليسير على الله، فيقرره الله بذنوبه، حتى إذا ظن العبد أنه قد هلك، قال الله تعالى له:" إني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أسترها لك اليوم". وينقلب إلى أهله في الجنة مسرورا لأنه نجا من العذاب وفاز بالثواب، [ ص: 1952 ] وأما من أوتي كتابه وراء ظهره أي: بشماله من وراء ظهره. .
فسوف يدعو ثبورا من الخزي والفضيحة، وما يجد في كتابه من الأعمال التي قدمها ولم يتب منها، ويصلى سعيرا أي: تحيط به السعير من كل جانب، ويقلب على عذابها، وذلك لأنه في الدنيا كان في أهله مسرورا لا يخطر البعث على باله، وقد أساء، ولا يظن أنه راجع إلى ربه وموقوف بين يديه.
بلى إن ربه كان به بصيرا فلا يحسن أن يتركه سدى، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب.