[ ص: 1772 ] فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم
ذكر الله تعالى أحوال الطوائف الثلاث: المقربين، وأصحاب اليمين، والمكذبين الضالين، في أول السورة في دار القرار.
ثم ذكر أحوالهم في آخرها عند الاحتضار والموت، فقال: فأما إن كان الميت من المقربين وهم الذين أدوا الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات وفضول المباحات. ( فـ ) لهم " روح " أي: راحة وطمأنينة، وسرور وبهجة، ونعيم القلب والروح، وريحان وهو اسم جامع لكل لذة بدنية، من أنواع المآكل والمشارب وغيرهما، وقيل: الريحان هو الطيب المعروف، فيكون من باب التعبير بنوع الشيء عن جنسه العام .
وجنت نعيم جامعة للأمرين كليهما، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيبشر المقربون عند الاحتضار بهذه البشارة، التي تكاد تطير منها الأرواح فرحا وسرورا.
كما قال تعالى: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم
وقد فسر قوله تبارك وتعالى: لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة أن هذه البشارة المذكورة، هي البشرى في الحياة الدنيا.
وقوله: وأما إن كان من أصحاب اليمين وهم الذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات، وإن حصل منهم بعض التقصير في بعض الحقوق التي لا تخل بتوحيدهم وإيمانهم، ( فـ ) يقال لأحدهم: " سلام لك من أصحاب اليمين " أي: سلام حاصل لك من إخوانك أصحاب اليمين أي: يسلمون عليه [ ص: 1773 ] ويحيونه عند وصوله إليهم ولقائهم له، أو يقال له: سلام لك من الآفات والبليات والعذاب، لأنك من أصحاب اليمين، الذين سلموا من الذنوب الموبقات.
وأما إن كان من المكذبين الضالين أي: الذين كذبوا بالحق وضلوا عن الهدى.
فنزل من حميم وتصلية جحيم أي: ضيافتهم يوم قدومهم على ربهم تصلية الجحيم التي تحيط بهم، وتصل إلى أفئدتهم، وإذا استغاثوا من شدة العطش والظمأ يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا
إن هذا الذي ذكره الله تعالى، من وتفاصيل ذلك جزاء العباد بأعمالهم، خيرها وشرها، لهو حق اليقين أي: الذي لا شك فيه ولا مرية، بل هو الحق الثابت الذي لا بد من وقوعه، وقد أشهد الله عباده الأدلة القواطع على ذلك، حتى صار عند أولي الألباب كأنهم ذائقون له مشاهدون لحقيقته فحمدوا الله تعالى على ما خصهم به من هذه النعمة العظيمة، والمنحة الجسيمة.
ولهذا قال تعالى: فسبح باسم ربك العظيم فسبحان ربنا العظيم، وتعالى وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا.
والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.
تم تفسير سورة الواقعة .