قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين
قل يا أيها الرسول لهؤلاء الجاهلين، الذين دعوك إلى عبادة غير الله: أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون أي: هذا الأمر صدر من جهلكم، وإلا فلو كان لكم علم بأن الله تعالى الكامل من جميع الوجوه، مسدي جميع النعم، هو المستحق للعبادة، دون من كان ناقصا من كل وجه، لا ينفع ولا يضر، لم تأمروني بذلك.
وذلك لأن الشرك بالله محبط للأعمال، مفسد للأحوال، ولهذا قال: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك من جميع الأنبياء. لئن أشركت ليحبطن عملك هذا مفرد مضاف، يعم كل عمل، ففي نبوة جميع الأنبياء، أن كما قال تعالى في سورة الأنعام - لما عدد كثيرا من أنبيائه ورسله قال عنهم: الشرك محبط لجميع الأعمال، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون
ولتكونن من الخاسرين دينك وآخرتك، فبالشرك تحبط الأعمال، ويستحق العقاب والنكال.
ثم قال: بل الله فاعبد لما أخبر أن الجاهلين يأمرونه بالشرك، وأخبر عن شناعته، أمره بالإخلاص فقال: بل الله فاعبد أي: أخلص له العبادة وحده لا شريك له، وكن من الشاكرين لله على توفيق الله تعالى، بل نعم الدين، هي النعم على الحقيقة، وفي تدبر أنها من الله تعالى والشكر لله عليها، سلامة من آفة العجب التي تعرض لكثير من العاملين، بسبب جهلهم، وإلا [ ص: 1530 ] فلو عرف العبد حقيقة الحال، لم يعجب بنعمة تستحق عليه زيادة الشكر. فكما أنه تعالى يشكر على النعم الدنيوية، كصحة الجسم وعافيته، وحصول الرزق وغير ذلك، كذلك يشكر ويثنى عليه بالنعم الدينية، كالتوفيق للإخلاص، والتقوى،