فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون
فمن يرد الله أن يهديه ; أي : يعرفه طريق الحق ويوفقه للإيمان .
يشرح صدره للإسلام فيتسع له وينفتح ، وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق ، مهيئة لحلوله فيها ، مصفاة عما يمنعه وينافيه ، وإليه أشار عليه الصلاة والسلام حين سئل ، فقال : " نور يقذفه الله في قلب المؤمن ، فينشرح له وينفتح " ; فقالوا : هل لذلك من أمارة يعرف بها ، فقال : " نعم ، الإنابة إلى دار الخلود ، والإعراض عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزوله " .
ومن يرد أن يضله ; أي : يخلق فيه الضلال بصرف اختياره إليه .
يجعل صدره ضيقا حرجا بحيث ينبو عن قبول الحق ، فلا يكاد يدخله الإيمان ، وقرئ : ( ضيقا ) بالتخفيف ، و( حرجا ) بكسر الراء ; أي : شديد الضيق ، والأول مصدر وصف به مبالغة .
كأنما يصعد " ما " هذه مهيئة لدخول كأن على الجمل الفعلية .
في السماء شبه للمبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يكاد يقدر عليه ، فإن صعود السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة الاستطاعة ، وفيه تنبيه على أن الإيمان يمتنع منه ، كما يمتنع منه الصعود .
وقيل : معناه : كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق ، وتباعدا في الهرب منه ، وأصل يصعد : يتصعد ، وقد قرئ به ، وقرئ : ( يصاعد ) وأصله : يتصاعد .
كذلك ; أي : مثل ذلك الجعل الذي هو جعل الصدر حرجا [ ص: 184 ] على الوجه المذكور .
يجعل الله الرجس ; أي : العذاب ، أو الخذلان . قال : الرجس : ما لا خير فيه . وقال مجاهد : الرجس : اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة . الزجاج
على الذين لا يؤمنون ; أي : عليهم ، ووضع الموصول موضع المضمر ، للإشعار بأن جعله تعالى معلل بما في حيز الصلة من كمال نبوهم عن الإيمان ، وإصرارهم على الكفر .