يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب
يوم يجمع الله الرسل نصب على أنه بدل اشتمال من مفعول " اتقوا " لما بينهما من الملابسة ، فإن مدار البدلية ليس ملابسة الظرفية والمظروفية ونحوها فقط ، بل هو تعلق ما مصحح لانتقال الذهن من المبدل منه إلى البدل بوجه إجمالي ، كما فيما نحن فيه ، فإن كونه تعالى خالق الأشياء كافة ، مالك يوم الدين خاصة ، كاف في الباب ، مع أن الأمر بتقوى الله تعالى يتبادر منه إلى الذهن أن المتقى أي شأن من شئونه ، وأي فعل من أفعاله .
وقيل : هناك مضاف محذوف به يتحقق الاشتمال ; أي : اتقوا عقاب الله ، فحينئذ يجوز انتصابه منه بطريق الظرفية .
وقيل : منصوب بمضمر معطوف على " اتقوا " وما عطف عليه ; أي : واحذروا ، أو اذكروا يوم ... إلخ ; فإن تذكير ذلك اليوم الهائل مما يضطرهم إلى تقوى الله عز وجل ، وتلقي أمره بسمع الإجابة والطاعة .
وقيل : هو ظرف لقوله تعالى : " لا يهدي " ; أي : لا يهديهم يومئذ إلى طريق الجنة كما يهدي إليه المؤمنين .
وقيل : منصوب بقوله تعالى : " واسمعوا " بحذف مضاف ; أي : اسمعوا خبر ذلك اليوم .
وقيل : منصوب بفعل مؤخر قد حذف للدلالة على ضيق العبارة عن شرحه وبيانه ، لكمال فظاعة ما يقع فيه من الطامة التامة والدواهي العامة ، كأنه قيل : يوم يجمع الله الرسل فيقول ... إلخ ، يكون من الأحوال والأهوال ما لا يفي ببيانه نطاق المقال ، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتربية المهابة وتشديد التهويل ، وتخصيص الرسل بالذكر ليس لاختصاص الجمع بهم دون الأمم ، كيف لا و ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود .
وقد قال الله تعالى : يوم ندعوا كل أناس بإمامهم بل لإبانة شرفهم وأصالتهم ، والإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بجمع غيرهم ; بناء على ظهور كونهم أتباعا لهم ، ولإظهار سقوط منزلتهم وعدم لياقتهم بالانتظام في سلك جمع الرسل ، كيف لا وهم عليهم السلام يجمعون على وجه الإجلال ، وأولئك يسحبون على وجوههم بالأغلال .
فيقول لهم مشيرا إلى خروجهم عن عهدة الرسالة ، كما ينبغي حسبما يعرب عنه تخصيص السؤال بجواب الأمم إعرابا واضحا إلا لصدر الخطاب ، بأن يقال : هل بلغتم رسالاتي ؟
و" ماذا " في قوله عز وجل : ماذا أجبتم عبارة عن مصدر الفعل ، فهو نصب على المصدرية ; أي : أي إجابة أجبتم من جهة أممكم ، إجابة قبول ، أو إجابة رد .
وقيل : عبارة عن الجواب ، فهو في محل النصب بعد حذف الجار عنه ; أي : بأي جواب أجبتم ، وعلى التقديرين ففي توجيه السؤال عما صدر عنهم ، وهم شهود إلى الرسل عليهم السلام ، كسؤال الموءودة بمحضر من الوائد ، والعدول عن إسناد الجواب إليهم بأن يقال : ماذا أجابوا من الأنباء ، عن كمال تحقير شأنهم ، وشدة الغيظ والسخط عليهم ما لا يخفى .
قالوا استئناف مبني على سؤال نشأ من سوق الكلام ، كأنه قيل : فماذا يقول الرسل عليهم السلام هنالك ؟ فقيل : يقولون : لا علم لنا وصيغة الماضي للدلالة على التقرر والتحقق ، كما في قوله تعالى : ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ونظائرهما ، وإنما يقولون ذلك تفويضا للأمر إلى علمه تعالى ، وإحاطته بما اعتراهم من جهتهم من مقاساة الأهوال ، ومعاناة الهموم والأوجال ، وعرضا لعجزهم عن بيانه لكثرته وفظاعته .
إنك أنت علام الغيوب تعليل لذلك ; أي : فتعلم ما أجابوا وأظهروا لنا ، وما لم نعلمه مما أضمروه في قلوبهم ، وفيه إظهار للشكاة ، ورد للأمر إلى علمه تعالى بما لقوا من قبلهم من [ ص: 94 ] الخطوب ، وكابدوا من الكروب ، والتجاء إلى ربهم في الانتقام منهم .
وقيل : المعنى : لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا ، وإنما الحكم للخاتمة ، ورد ذلك بأنهم يعرفونهم بسيماهم ، فكيف يخفى عليهم أمرهم .
وأنت خبير بأن مرادهم حينئذ أن بعضهم كانوا في زمانهم على الحق ، ثم صاروا كفرة ، وعن ، ابن عباس ، ومجاهد ، رضي الله عنهم ، أنهم يفزعون من أول الأمر ، ويذهلون عن الجواب ، ثم يجيبون بعد ما ثابت إليهم عقولهم بالشهادة على أممهم ، ولا يلائمه التعليل المذكور . والسدي
وقيل : المراد به : المبالغة في تحقيق فضيحتهم . وقرئ : ( علام الغيوب ) بالنصب على النداء ، أو الاختصاص بالمدح على أن الكلام قد تم عند قوله تعالى : " أنت " ; أي : إنك أنت المنعوت بنعوت كمالك المعروف بذلك .