لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم
لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة شروع في بيان كفر طائفة أخرى منهم ، ومعنى قولهم : " ثالث ثلاثة " ، ورابع أربعة ، ونحو ذلك ، أحد هذه الأعداد مطلقا ، لا الثالث والرابع خاصة ، ولذلك منع الجمهور أن ينصب ما بعده بأن يقال : ثالث ثلاثة ورابع أربعة ، وإنما ينصبه إذا كان ما بعده دونه بمرتبة ، كما في قولك : عاشر تسعة ـ وتاسع ثمانية .
قيل : إنهم يقولون : إن الإلهية مشتركة بين الله سبحانه وتعالى ، وعيسى ، ومريم ، وكل واحد من هؤلاء إله ، ويؤكده قوله تعالى للمسيح : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ، فقوله تعالى : " ثالث ثلاثة " ; أي : أحد ثلاثة آلهة .
وهو المتبادر من ظاهر قوله تعالى : وما من إله إلا إله واحد ; أي : والحال أنه ليس في الوجود ذات واجب مستحق للعبادة ، من حيث إنه مبدأ جميع الموجودات ، إلا إله موصوف بالوحدانية ، متعال عن قبول الشركة ، و" من " مزيدة للاستغراق .
وقيل : إنهم يقولون : الله جوهر واحد ثلاثة أقانيم ، أقنوم الأب ، وأقنوم الابن ، وأقنوم روح القدس ، وأنهم يريدون بالأول : الذات ، وقيل : [ ص: 67 ] الوجود ، وبالثاني : العلم ، وبالثالث : الحياة ; فمعنى قوله تعالى : " وما من إله إلا إله واحد " : إلا إله واحد بالذات ، منزه عن شائبة التعدد بوجه من الوجوه .
وإن لم ينتهوا عما يقولون من الكفر الشنيع ولم يوحدوا .
وقوله تعالى : ليمسن الذين كفروا جواب قسم محذوف ساد مسد جواب الشرط ; أي : وبالله إن لم ينتهوا ليمسنهم ، وإنما وضع موضع ضمير " هم " الموصول ، لتكرير الشهادة عليهم بالكفر .
فمن في قوله تعالى : منهم بيانية ، أو ليمسن الذين بقوا منهم على ما كانوا عليه من الكفر ، فمن تبعيضية . وإنما جيء بالفعل المنبئ عن الحدوث تنبيها على أن الاستمرار عليه بعد ورود ما ينحى عليه بالقلع من نص عيسى عليه السلام وغيره ، كفر جديد وغلو زائد على ما كانوا عليه من أصل الكفر .
عذاب أليم ; أي : نوع شديد الألم من العذاب .