ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
ومن يطع الله والرسول كلام مستأنف فيه فضل ترغيب في الطاعة ومزيد تشويق إليها ببيان أن نتيجتها أقصى ما ينتهي إليه همم الأمم وأرفع ما يمتد إليه أعناق عزائمهم من مجاورة أعظم الخلائق مقدارا وأرفعهم منارا متضمن لتفسير ما أبهم في جواب الشرطية السابقة وتفصيل ما أجمل فيه، والمراد بالطاعة: هو الانقياد التام والامتثال الكامل لجميع الأوامر والنواهي. فأولئك إشارة إلى المطيعين والجمع باعتبار معنى من كما أن الإفراد في فعل الشرط باعتبار لفظها وما فيه من معنى البعد مع القرب في الذكر للإيذان بعلو درجتهم وبعد منزلتهم في الشرف، وهو مبتدأ خبره مع الذين أنعم الله عليهم والجملة جواب الشرط وترك ذكر المنعم به للإشعار بقصور العبارة عن تفصيله وبيانه. من النبيين بيان للمنعم عليهم والتعرض لمعية سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أن الكلام في بيان حكم طاعة نبينا صلى الله عليه وسلم لجريان ذكرهم في [ ص: 199 ] سبب النزول مع ما فيه من الإشارة إلى أن طاعته صلى الله عليه وسلم متضمنة لطاعتهم لاشتمال شريعته على شرائعهم التي لا تتغير بتغير الأعصار. روي أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبي الله إن صرنا إلى الجنة تفضلنا بدرجات النبوة فلا نراك. وقال جاء رجل من الشعبي: الأنصار إلى رسول الله وهو يبكي فقال: ما يبكيك يا فلان؟ فقال: يا رسول الله بالله الذي لا إله إلا هو لأنت أحب إلي من نفسي وأهلي ومالي وولدي وإني لأذكرك وأنا في أهلي فيأخذني مثل الجنون حتى أراك وذكرت موتي وأنك ترفع مع النبيين وإني إن أدخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت. وروي أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديد الحب له عليه الصلاة والسلام قليل الصبر عنه فأتاه يوما وقد تغير وجهه ونحل جسمه وعرف الحزن في وجهه فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حاله فقال: يا رسول الله ما بي من وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك فذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين وإن أدخلت الجنة كنت في منزلة دون منزلك وإن لم أدخل فذاك حين لا أراك أبدا فنزلت، فقال عليه الصلاة والسلام: وحكي ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. وروي "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأبويه وأهله وولده والناس أجمعين"، قال: يا رسول الله الرجل يحب قوما ولما يلحق بهم قال عليه الصلاة والسلام: "المرء مع من أحب". أنسا أن والصديقين أي: المتقدمين في تصديقهم المبالغين في الصدق والإخلاص في الأقوال والأفعال وهم أفاضل أصحاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأماثل خواصهم المقربين رضي الله عنه. كأبي بكر الصديق والشهداء الذين بذلوا أرواحهم في طاعة الله تعالى وإعلاء كلمته. والصالحين الصارفين أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته وليس المراد بالمعية الاتحاد في الدرجة ولا مطلق الاشتراك في دخول الجنة بل كونهم فيها بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر وزيارته متى أراد وإن بعد ما بينهما من المسافة. وحسن أولئك رفيقا الرفيق: الصاحب، مأخوذ من الرفق وهو لين الجانب واللطافة في المعاشرة قولا وفعلا، فإن جعل "أولئك" إشارة إلى النبيين ومن بعدهم على أن ما فيه من معنى البعد لما مر مرارا فـ"رفيقا" إما تمييز أو حال على معنى أنهم وصفوا بالحسن من جهة كونهم رفقاء للمطيعين أو حال كونهم رفقاء لهم، وإفراده لما أنه كالصديق والخليط والرسول يستوي فيه الواحد والمتعدد أو لأنه أريد: حسن كل واحد منهم رفيقا ، وإن جعل إشارة إلى المطيعين فهو تمييز على معنى أنهم وصفوا بحسن الرفيق من النبيين ومن بعدهم لا بنفس الحسن فلا يجوز دخول من عليه كما يجوز في الوجه الأول، والجملة تذييل مقرر لما قبله مؤكد للترغيب والتشويق، قيل: فيه معنى التعجب كأنه قيل: وما أحسن أولئك رفيقا ولاستقلاله بمعنى التعجب قرئ "وحسن" بسكون السين.