ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا
ويرزقه من حيث لا يحتسب أي: من وجه لا يخطر بباله ولا يحتسبه، ويجوز أن يكون كلاما جيء به على نهج الاستطراد عند ذكر قوله تعالى: ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله إلى آخره، فالمعنى: ومن يتق الله في كل ما يأتي وما يذر يجعل له مخرجا ومخلصا من غموم الدنيا والآخرة فيندرج فيه ما نحن فيه اندراجا أوليا.
عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قرأها فقال: "مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد [ ص: 262 ] يوم القيامة" وقال عليه الصلاة والسلام: فما زال يقرؤها ويعيدها. وروي "إنى لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ومن يتق الله" أن عوف بن الأشجعي أسر المشركون ابنه سالما فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أسر ابني وشكا إليه الفاقة فقال عليه الصلاة والسلام: "اتق الله وأكثر قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" ففعل فبينا هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها فنزلت. ومن يتوكل على الله فهو حسبه أي: كافيه في جميع أموره. إن الله بالغ أمره بالإضافة أي: منفذ أمره، وقرئ بتنوين بالغ ونصب "أمره" أي: يبلغ ما يريده لا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب، وقرئ برفع "أمره" على أنه مبتدأ و"بالغ" خبر مقدم والجملة خبر إن أو "بالغ" خبر إن و"أمره" مرتفع به على الفاعلية أي: نافذ أمره، وقرئ "بالغا أمره" على أنه حال وخبر إن قوله تعالى: قد جعل الله لكل شيء قدرا أي: تقديرا وتوقيتا أو مقدارا وهو بيان وتفويض الأمر إليه لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق وغيره لا يكون إلا بتقديره تعالى لا يبقى إلا التسليم للقدر والتوكل على الله تعالى. لوجوب التوكل عليه تعالى