ومن يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا
ومن يهد الله كلام مبتدأ، يفصل ما أشار إليه الكلام السابق من مجازاة العباد إشارة إجمالية، أي: من يهده الله إلى الحق بما جاء من قبله من الهدى. فهو المهتد إليه، وإلى ما يؤدي إليه من الثواب، أو المهتد إلى كل مطلوب. ومن يضلل أي: يخلق فيه الضلال بسوء اختياره، كهؤلاء المعاندين. فلن تجد لهم أوثر ضمير الجماعة اعتبارا لمعنى من غب ما أوثر في مقابله الإفراد نظرا إلى لفظها تلويحا بوحدة طريق الحق، وقلة سالكيه، وتعدد سبل الضلال، وكثرة الضلال. أولياء من دونه من دون الله تعالى، أي: أنصارا يهدونهم إلى طريق الحق، أو إلى طريق يوصلهم إلى مطالبهم الدنيوية والأخروية، أو إلى طريق النجاة من العذاب الذي يستدعيه ضلالهم. على معنى: لن تجد لأحد منهم وليا على ما تقتضيه قضية مقابلة الجمع بالجمع من انقسام الآحاد إلى الآحاد. ونحشرهم التفات من الغيبة إلى التكلم إيذانا بكمال . الاعتناء بأمر الحشر يوم القيامة على وجوههم حال من الضمير المنصوب، أي: [ ص: 197 ] كائنين عليها سحبا، كقوله تعالى: يوم يسحبون في النار على وجوههم أو مشيا. فقد روي ". أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يمشون على وجوههم؟ قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم عميا حال من الضمير المجرور في الحال السابقة. وبكما وصما لا يبصرون ما يقر أعينهم، ولا ينطقون ما يقبل منهم، ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم لما قد كانوا في الدنيا لا يستبصرون بالآيات والعبر، ولا ينطقون بالحق، ولا يستمعونه، ويجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى النار موفي القوى والحواس، وأن يحشروا كذلك ثم يعاد إليهم قواهم وحواسهم، فإن إدراكاتهم بهذه المشاعر في بعض المواطن مما لا ريب فيه. مأواهم جهنم إما حال، أو استئناف، وكذا قوله تعالى: كلما خبت زدناهم سعيرا أي: كلما سكن لهبها بأن أكلت جلودهم، ولحومهم، ولم يبق فيهم ما تتعلق به النار وتحرقه زدناهم توقدا بأن بدلناهم جلودا غيرها، فعادت ملتهبة، ومستعرة، ولعل ذلك عقوبة لهم على إنكارهم الإعادة بعد الفناء بتكريرها مرة بعد أخرى ليروها عينا حيث لم يعلموها برهانا كما يفصح عنه قوله تعالى: