فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط
فلما ذهب عن إبراهيم الروع أي: ما أوجس منهم من الخيفة، واطمأن قلبه بعرفانهم وعرفان سبب مجيئهم، والفاء لربط بعض أحوال إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ببعض غب انفصالها بما ليس بأجنبي من كل وجه، بل له مدخل تام في السباق والسياق، وتأخير الفاعل عن الظرف؛ لأنه مصب الفائدة؛ فإن بتأخير ما حقه التقديم تبقى النفس منتظرة إلى وروده فيتمكن فيها عند وروده إليها فضل تمكن وجاءته البشرى إن فسرت البشرى بقولهم: (لا تخف) فسببية ذهاب [ ص: 227 ] الخوف ومجيء السرور - للمجادلة المدلول عليها بقوله تعالى: يجادلنا في قوم لوط أي: جادل رسلنا في شأنهم، وعدل إلى صيغة الاستقبال لاستحضار صورتها، أو طفق يجادلنا - ظاهرة، وأما إن فسرت ببشارة الولد، أو بما يعمها فلعل سببيتها لها من حيث إنها تفيد زيادة اطمئنان قلب بسلامته وسلامة أهله كافة ومجادلته إياهم، أنه قال لهم حين قالوا له: ( إنا مهلكو أهل هذه القرية ): أرأيتم لو كان فيها خمسون رجلا من المؤمنين أتهلكونها، قالوا: لا، قال: فأربعون، قالوا: لا، قال: فثلاثون، قالوا: لا، حتى بلغ العشرة قالوا: لا، قال: أرأيتم إن كان فيها رجل مسلم أتهلكونها؟ قالوا: لا، فعند ذلك قال: إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إن قيل: المتبادر من هذا الكلام أن يكون إبراهيم - عليه السلام - قد علم أنهم مرسلون لإهلاك قوم لوط قبل ذهاب الروع عن نفسه، ولكن لم يقدر على مجادلتهم في شأنهم لاشتغاله بشأن نفسه، فلما ذهب عنه الروع فرغ لها، مع أن ذهاب الروع إنما هو قبل العلم بذلك؛ لقوله تعالى: (قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ) قلنا: كان لوط - عليه السلام - على شريعة إبراهيم - عليه السلام - وقومه مكلفين بها، فلما رأى من الملائكة ما رأى خاف على نفسه وعلى كافة أمته التي من جملتهم قوم لوط ، ولا ريب في تقدم هذا الخوف على قولهم: ( لا تخف ) وأما الذي علمه - عليه السلام - بعد النهي عن الخوف فهو اختصاص قوم لوط بالهلاك لا دخولهم تحت العموم، فتأمل، والله الموفق.