ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب
ويا قوم هذه ناقة الله الإضافة للتشريف والتنبيه على أنها مفارقة لسائر ما يجانسها من حيث الخلقة ومن حيث الخلق لكم آية معجزة دالة على صدق نبوتي، وهي حال من (ناقة الله) والعامل ما في هذه من معنى الفعل، و(لكم) حال من (آية) متقدمة عليها لكونها نكرة، ولو تأخرت لكانت صفة لها، ويجوز أن يكون (ناقة الله) بدلا من (هذه) أو عطف بيان (ولكم) خبرا وعاملا في (آية).
فذروها خلوها وشأنها تأكل في أرض الله ترع نباتها وتشرب ماءها، وإضافة الأرض إلى الله تعالى لتربية استحقاقها لذلك، وتعليل الأمر بتركها وشأنها ولا تمسوها بسوء بولغ في النهي عن التعرض لها بما يضرها، حيث نهي عن المس الذي هو من مبادئ الإصابة ونكر السوء، أي: لا تضربوها ولا تطردوها ولا تقربوها بشيء من السوء فضلا عن عقرها وقتلها فيأخذكم عذاب قريب أي: قريب النزول.
روي أنهم طلبوا منه أن يخرج من صخرة تسمى الكاثبة ناقة عشراء مخترجة جوفاء وبراء، وقالوا: إن فعلت ذلك صدقناك، فأخذ صالح - عليه الصلاة والسلام - عليهم مواثيقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنن؟ فقالوا: نعم، فصلى ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانصدعت عن ناقة عشراء كما وصفوا، وهم ينظرون، ثم أنتجت ولدا مثلها في العظم، فآمن به جندع بن عمرو في جماعة، ومنع الباقين من الإيمان دواب بن عمرو، والحباب صاحب أوثانهم، ورباب كاهنهم، فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر، وترد الماء غبا، فما ترفع رأسها من البئر حتى تشرب كل ما فيها، ثم تتفحج فيحلبون ما شاءوا حتى تمتلئ أوانيهم فيشربون ويدخرون، وكانت تصيف بظهر الوادي، فتهرب منها أنعامهم إلى بطنه، وتشتو ببطنه فتهرب مواشيهم إلى ظهره، فشق عليهم ذلك.