قوله عز وجل:
قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون
أراد يعقوب عليه السلام أن يتوثق منهم، والموثق "مفعل" من الوثاقة، فلما عاهدوه أشهد الله بينه وبينهم بقوله: الله على ما نقول وكيل ، والوكيل: القيم الحافظ .
وقرأ : "تؤتوني" بياء في الوصل والوقف، وروي عن ابن كثير أنه وصل بياء ووقف دونها، والباقون تركوا الياء في الوجهين. نافع
وقوله: لا تدخلوا من باب واحد ، قيل: خشي عليهم العين لكونهم أحد عشر لرجل واحد، وكانوا أهل جمال وبسطة، قال ، ابن عباس ، والضحاك وغيرهم. والعين حق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقتادة "إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر". وفي تعوذه عليه الصلاة السلام: وقيل: خشي أن يستراب بهم لقول "أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، وكل عين لامة"، يوسف قبل: "أنتم جواسيس"، ويضعف [ ص: 117 ] هذا ظهورهم قبل بمصر، وقيل: طمع بافتراقهم أن يستمعوا أو يتطلعوا خبر يوسف ، وهذا ضعيف يرده وما أغني عنكم من الله من شيء فإن ذلك لا يتركب على هذا المقصد.
وقوله: إلا أن يحاط بكم لفظ عام لجميع وجوه الغلبة والقسر، والمعنى: تعمكم الغلبة من جميع الجهات حتى لا تكون لكم حيلة ولا وجه تخلص، وقال : المعنى: إلا أن تهلكوا جميعا، وقال مجاهد : إلا ألا تطيقوا ذلك. قتادة
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا يرجحه لفظ الآية.
وانظر أن يعقوب عليه السلام قد توثق في هذه القصة، وأشهد الله تعالى، ووصى بنيه، وأخبر بعد ذلك بتوكله، فهذا توكل مع تسبب، وهو توكل جميع المؤمنين إلا من شذ في رفض السعي، وقنع بماء وبقل البرية ونحوه، فتلك غاية التوكل، وعليها بعض الأنبياء عليهم السلام، والشارعون منهم مثبتون سنن التسبب الجائز، وما تجاوز ذلك من الإلقاء باليد مختلف في جوازه، وقد فضله بعض المجيزين له، ولا أقول بذلك، وباقي الآية بين.