[ ص: 589 ] قوله عز وجل:
لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين
هذا ابتداء إخبار برفع الجناح عن فرض مهرا أو لم يفرض. ولما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزوج لمعنى الذوق وقضاء الشهوة، وأمر بالتزوج لطلب للعصمة والتماس ثواب الله ، وقصد دوام الصحبة وقع في نفوس المؤمنين أن من طلق قبل البناء قد واقع جزءا من هذا المكروه، فنزلت الآية رافعة للجناح في ذلك إذا كان أصل النكاح على المقصد الحسن. المطلق قبل البناء، والجماع،
وقال قوم: لا جناح عليكم معناه: لا طلب بجميع المهر، بل عليكم نصف المفروض لمن فرض لها، والمتعة لمن لم يفرض لها.
وقال قوم: لا جناح عليكم معناه: في أن ترسلوا الطلاق في وقت حيض، بخلاف المدخول بها.
وقال : المعنى "لا جناح عليكم" في الطلاق قبل البناء، لأنه قد يقع الجناح على المطلق بعد أن كان قاصدا للذوق، وذلك مأمون قبل المسيس. مكي
والخطاب بالآية لجميع الناس.
[ ص: 590 ] وقرأ ، أبو عمرو ، وابن كثير ، ونافع ، وعاصم : "تمسوهن" بغير ألف. وقرأ وابن عامر ، الكسائي : "تماسوهن" بألف وضم التاء، وهذه القراءة الأخيرة تعطي المس من الزوجين، والقراءة الأولى تقتضي ذلك بالمعنى المفهوم من المس، ورجحها وحمزة لأن أفعال هذا المعنى جاءت ثلاثية على هذا الوزن: نكح وسفد وقرع وذقط وضرب الفحل. والقراءتان حسنتان. "تفرضوا" عطف على "تمسوا" وفرض المهر إثباته وتحديده. أبو علي
وهذه الآية تعطي جواز العقد على التفويض، لأنه نكاح مقرر في الآية، مبين حكم الطلاق فيه، قاله في "المدونة". مالك
والفريضة: الصداق.
وقوله تعالى: "ومتعوهن" معناه: أعطوهن شيئا يكون متاعا لهن، وحمله ، ابن عمر ، وعلي بن أبي طالب ، والحسن بن أبي الحسن ، وسعيد بن جبير ، وأبو قلابة ، والزهري ، وقتادة على الوجوب، وحمله والضحاك بن مزاحم ، أبو عبيد ، وأصحابه، ومالك بن أنس ، وغيرهم على الندب، ثم اختلفوا في الضمير المتصل بـ "متعوا" من المراد به من النساء؟ فقال وشريح ، ابن عباس ، وابن عمر ، وعطاء ، وجابر بن زيد ، والحسن ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق ، وأصحاب الرأي: واجبة للمطلقة قبل البناء والفرض، ومندوبة في غيرها. المتعة
وقال وأصحابه: المتعة مندوب إليها في كل مطلقة وإن دخل بها، إلا في التي لم يدخل بها وقد فرض لها، فحسبها ما فرض لها، ولا متعة لها. مالك
وقال : لها المتعة ولكل مطلقة. أبو ثور
وأجمع أهل العلم على أن فقال التي لم يفرض لها ولم يدخل بها لا شيء لها غير [ ص: 591 ] المتعة. : يقضي لها بها القاضي. وقال جمهور الناس: لا يقضي بها، قاله الزهري ، ويقال للزوج: إن كنت من المتقين والمحسنين فمتع ولم يقض عليه. شريح
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا مع إطلاق لفظ الوجوب عند بعضهم، وأما ربط مذهب ، فقال مالك ابن شعبان : المتعة بإزاء غم الطلاق، ولذلك وقال ليس للمختلعة والمبارية والملاعنة متعة. الترمذي ، وعطاء : للمختلعة متعة. وقال أصحاب الرأي: للملاعنة متعة. والنخعي
قال ابن القاسم : ولا متعة في نكاح مفسوخ.
قال : ولا فيما يدخله الفسخ بعد صحة العقد مثل ملك أحد الزوجين صاحبه. ابن المواز
وروى ، عن ابن وهب : أن المخيرة لها المتعة بخلاف الأمة تعتق تحت العبد فتختار، فهذه لا متعة لها، وأما الحرة تخير أو تملك، أو يتزوج عليها أمة فتختار هي نفسها في ذاك كله فلها المتعة، لأن الزوج سبب الفراق، وعليها هي غضاضة في ألا تختار نفسها. مالك
واختلف الناس في فقال مقدار المتعة، : أدنى ما يجزئ في المتعة ثلاثون درهما أو شبهها، وروي أن ابن عمر ابن محيريز كان يقضي على صاحب الديوان بثلاثة [ ص: 592 ] دنانير. وقال : أرفع المتعة خادم، ثم كسوة، ثم نفقة. وقال ابن عباس : أوسط ذلك درع وخمار وملحفة. وقال عطاء : يمتع كل على قدره هذا بخادم، وهذا بأثواب. وهذا بثوب، وهذا بنفقة، وكذلك يقول الحسن . ومتع مالك بن أنس بعشرين ألفا وزقاق من عسل، ومتع الحسن بن علي بخمسمائة درهم، وقالت شريح أم حميد بن عبد الرحمن بن عوف : كأني أنظر إلى خادم سوداء متع بها زوجه عبد الرحمن بن عوف أم أبي سلمة . وقال أصحاب الرأي، وغيرهم: نصف مهر مثلها لا غير. متعة التي تطلق قبل الدخول والفرض
وقوله تعالى: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره دليل على رفض التحديد. وقرأ الجمهور: "على الموسع" بسكون الواو وكسر السين بمعنى الذي أوسع أي اتسعت حاله. وقرأ أبو حيوة : "الموسع" بفتح الواو وشد السين وفتحها، وقرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو في رواية وعاصم "قدره" بسكون الدال في الموضعين. وقرأ أبي بكر ، ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي -في رواية وعاصم حفص - "قدره" بفتح الدال فيهما. قال ، وغيره: هما بمعنى، لغتان فصيحتان، وكذلك حكى أبو الحسن الأخفش أبو زيد : تقول: خذ قدر كذا وقدر كذا بمعنى، ويقرأ في كتاب الله: فسالت أودية بقدرها . وقال: وما قدروا الله حق قدره ولو حركت الدال لكان جائزا.
و"المقتر": المقل القليل المال.
و"متاعا" نصب على المصدر.
وقوله تعالى: "بالمعروف" أي لا حمل فيه ولا تكلف على أحد الجانبين، فهو تأكيد لمعنى قوله: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره . [ ص: 593 ]
ثم أكد تعالى الندب بقوله: حقا على المحسنين أي في هذه النازلة من التمتيع هم محسنون، ومن قال بأن المتعة واجبة. قال: هذا تأكيد الوجوب، أي على المحسنين بالإيمان والإسلام، فليس لأحد أن يقول: لست بمحسن على هذا التأويل، و"حقا" صفة لقوله: "متاعا" أو نصب على المصدر، وذلك أدخل في التأكيد للأمر.