يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم
54 - يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه من يرجع منكم عن دين الإسلام إلى ما كان عليه من الكفر. (يرتدد): مدني، وشامي. فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه يرضى عنهم أعمالهم، ويثني عليهم بها، ويطيعونه، ويؤثرون رضاه. وفيه دليل نبوته عليه الصلاة والسلام، حيث أخبرهم بما لم يكن فكان، وإثبات خلافة لأنه جاهد المرتدين، وفي صحة خلافته وخلافة الصديق; رضي الله عنهما. عمر وقال: "هذا وذووه، لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس". سلمان والراجع من الجزاء إلى الاسم المتضمن لمعنى الشرط محذوف، معناه: وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، فضرب على عاتق [ ص: 455 ] فسوف يأتي الله بقوم مكانهم أذلة جمع ذليل، وأما ذلول فجمعه: ذلل. ومن زعم أنه من الذل، الذي هو ضد الصعوبة، فقد سها; لأن ذلولا لا يجمع على أذلة، قال الجوهري: الذل ضد العز، ورجل ذليل: بين الذل، وقوم أذلاء، وأذلة. والذل بالكسر-: اللين، وهو ضد الصعوبة، يقال: دابة ذلول، ودواب ذلل. على المؤمنين ولم يقل: للمؤمنين; لتضمن الذل معنى الحنو والعطف، كأنه قيل: عاطفين عليهم، على وجه التذلل، والتواضع. أعزة على الكافرين أشداء عليهم، والعزاز: الأرض الصلبة، فهم مع المؤمنين كالولد لوالده، والعبد لسيده، ومع الكافرين كالسبع على فريسته. يجاهدون في سبيل الله يقاتلون الكفار، وهو صفة لقوم كـ: يحبهم، وأعزة، وأذلة. ولا يخافون لومة لائم الواو يحتمل أن تكون للحال، أي: يجاهدون وحالهم في المجاهدة خلاف حال المنافقين، فإنهم كانوا موالين لليهود، فإذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود، فلا يعملون شيئا مما يعلمون أنه يلحقهم فيه لوم من جهتهم. وأما المؤمنون فمجاهدتهم لله لا يخافون لومة لائم، وأن تكون للعطف، أي: من صفتهم المجاهدة في سبيل الله، وهم صلاب في دينهم إذا شرعوا في أمر من أمور الدين، لا تزعهم لومة لائم، واللومة: المرة من اللوم، وفيها وفي التنكير مبالغتان، كأنه قيل: لا يخافون شيئا قط من لوم واحد من اللوام ذلك إشارة إلى ما وصف به القوم من المحبة، والذلة، والعزة، والمجاهدة، وانتفاء خوف اللومة فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع كثير الفواضل عليم بمن هو من أهلها.
[ ص: 456 ]