سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان رجلا صالحا أن يستغفر لأبيه في مرضه ففعل، فنزلت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد رخص لي فسأزيد على السبعين"; فنزلت: عبد الله بن عبد الله بن أبي سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم : وقد [ ص: 74 ] ذكرنا أن هذا الأمر في معنى الخبر، كأنه قيل: لن يغفر الله لهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، وإن فيه معنى الشرط، وذكرنا النكتة في المجيء به على لفظ الأمر، والسبعون جار مجرى المثل في كلامهم للتكثير; قال -عليه السلام- [من الرجز]: علي بن أبي طالب
لأصبحن العاصي ابن العاصي ... سبعين ألفا عاقدي النواصي
[ ص: 75 ] فإن قلت: كيف خفي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أفصح العرب وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته، والذي يفهم من ذكر هذا العدد كثرة الاستغفار، كيف وقد تلاه بقوله: ذلك بأنهم كفروا فبين الصارف عن المغفرة لهم حتى قال: "قد رخص لي ربي فسأزيد على السبعين".
قلت: لم يخف عليه ذلك; ولكنه خيل بما قال إظهارا لغاية رحمته، ورأفته على من بعث إليه، كقول إبراهيم -عليه السلام-: ومن عصاني فإنك غفور رحيم [إبراهيم: 36 ] وفي إظهار النبي -صلى الله عليه وسلم- الرأفة والرحمة: لطف لأمته، ودعاء لهم إلى ترحم بعضهم على بعض.