وقطعناهم وصيرناهم قطعا ، أي : فرقا ، وميزنا بعضهم من بعض ; لقلة الألفة بينهم .
وقرئ : "وقطعناهم" بالتخفيف اثنتي عشرة أسباطا ; كقولك : اثنتي عشرة قبيلة ، و “ الأسباط" : أولاد الولد ، جمع سبط ، وكانوا اثنتي عشرة قبيلة من اثني عشر ولدا من ولد يعقوب ، عليه السلام .
[ ص: 521 ] فإن قلت : مميز ما عدا العشرة مفرد ، فما وجه مجيئه مجموعا ؟ وهلا قيل : اثني عشر سبطا؟
قلت : لو قيل ذلك لم يكن تحقيقا لأن المراد : وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة ، وكل قبيلة أسباط لا سبط ، فوضع أسباطا موضع قبيلة ; ونظيره [من الرجز] :
بين رماحي مالك ونهشل
و" أمما " : بدل من اثنتي عشرة : ، بمعنى : وقطعناهم أمما ; لأن كل أسباط كانت أمة عظيمة ، وجماعة كثيفة العدد ، وكل واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى ، لا تكاد تأتلف .
وقرئ : "اثنتي عشرة" بكسر الشين فانبجست : فانفجرت ، والمعنى واحد ، وهو الانفتاح بسعة وكثرة ، قال العجاج [من الرجز] :
وكيف غربي دالج تبجسا
[ ص: 522 ] فإن قلت : فهلا قيل : فضرب فانبجست؟
قلت : لعدم الإلباس ، وليجعل الانبجاس مسببا عن الإيحاء بضرب الحجر ; للدلالة على أن الموحى إليه لم يتوقف عن اتباع الأمر ، وأنه من انتفاء الشك عنه ، بحيث لا حاجة إلى الإفصاح به ، وقوله : كل أناس نظير قوله : اثنتي عشرة أسباطا ، يريد كل أمة من تلك الأمم الثنتي عشرة ، و “ الأناس" : اسم جمع غير تكسير ، نحو رخال ، وثناء ، وتوام ، وأخوات لها ، ويجوز أن يقال : إن الأصل الكسر والتكسير ، والضمة بدل من الكسرة ; كما أبدلت في نحو : سكارى ، وغيارى ، من الفتحة وظللنا عليهم الغمام : وجعلناه ظليلا عليهم في التيه ، و “ كلوا" : على إرادة القول وما ظلمونا : وما رجع إلينا ضرر ظلمهم بكفرانهم النعم ، ولكن كانوا يضرون أنفسهم ، ويرجع وبال ظلمهم إليهم .