قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون
تخييرهم إياه أدب حسن راعوه معه ، كما يفعل أهل الصناعات إذا التقوا كالمتناظرين ، قبل أن يتخاوضوا في الجدال ، والمتصارعين قبل أن يتآخذوا للصراع ، وقولهم : وإما أن نكون نحن الملقين : فيه ما يدل على رغبتهم في أن يلقوا قبله من تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل ، وتعريف الخبر ، أو تعريف الخبر وإقحام الفصل ، وقد سوغ لهم موسى ما تراغبوا فيه ; ازدراء لشأنهم ، وقلة مبالاة بهم ، وثقة بما كان بصدده من التأييد السماوي ، وأن المعجزة لن يغلبها سحر أبدا سحروا أعين الناس : أروها بالحيل والشعوذة ، وخيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه ; كقوله تعالى : يخيل إليه من سحرهم أنها [ ص: 487 ] تسعى [طه : 66] . روي : أنهم ألقوا حبالا غلاظا ، وخشبا طوالا ، فإذا هي أمثال الحيات ، قد ملأت الأرض ، وركب بعضها بعضا واسترهبوهم : وأرهبوهم إرهابا شديدا ، كأنهم استدعوا رهبتهم بسحر عظيم : في باب السحر ، روي أنهم لونوا حبالهم وخشبهم ، وجعلوا فيها ما يوهم الحركة ، قيل : جعلوا فيها الزئبق ما يأفكون : ما موصولة أو مصدرية ، بمعنى : ما يأفكونه ، أي : يقلبونه عن الحق إلى الباطل ويزورونه ، أو إفكهم تسمية للمأفوك بالإفك ، روي أنها لما تلقفت ملئ الوادي من الخشب ، والحبال ، رفعها موسى فرجعت عصى كما كانت ، وأعدم الله بقدرته تلك الأجرام العظيمة ، أو فرقها أجزاء لطيفة ، قالت للسحرة : لو كان هذا سحرا ، لبقيت حبالنا وعصينا فوقع الحق : فحصل وثبت ، ومن بدع التفاسير : "فوقع قلوبهم" أي : فأثر فيها من قولهم ، قاس وقيع وانقلبوا صاغرين : وصاروا أذلاء مبهوتين وألقي السحرة : وخروا سجدا ، كأنما [ ص: 488 ] ألقاهم ملق ; لشدة خرورهم ، وقيل : لم يتمالكوا مما رأوا ، فكأنهم ألقوا ، وعن [ ص: 489 ] كانوا أول النهار كفارا سحرة ، وفي آخره شهداء بررة ، وعن قتادة : تراه ولد في الإسلام ، ونشأ بين المسلمين ، يبيع دينه بكذا وكذا ، وهؤلاء كفار نشأوا في الكفر ، بذلوا أنفسهم لله . الحسن :