ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنـزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون
تضرعا وخفية : نصب على الحال ، أي : ذوي تضرع وخفية ، وكذلك خوفا ، وطمعا ، والتضرع تفعل من الضراعة ، وهو الذل ، أي : تذللا وتملقا .
وقرئ : " وخفية " وعن - رضي الله عنه - : إن الله يعلم الحسن ، والدعاء الخفي ، إن كان الرجل لقد جمع القرآن ، وما يشعر به جاره ، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير ، ولا يشعر الناس به ، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة ، وعنده الزور ، وما يشعرون به ، ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدا ، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت ، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم ; وذلك أن الله - تعالى - يقول : القلب التقي ادعوا ربكم تضرعا وخفية وقد أثنى على زكريا ، فقال : إذ نادى ربه نداء خفيا [مريم : 3] ، وبين سبعون ضعفا دعوة السر ، ودعوة العلانية إنه لا يحب المعتدين أي : [ ص: 451 ] المجاوزين ما أمروا به في كل شيء من الدعاء وغيره ، وعن : هو ابن جريج ، وعنه : الصياح في الدعاء مكروه وبدعة ، وقيل : هو الإسهاب في الدعاء ، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - : رفع الصوت بالدعاء إنه لا يحب المعتدين "سيكون قوم يعتدون في الدعاء ، وحسب المرء أن يقول : اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل" ثم قرأ قوله تعالى : إن رحمت الله قريب من المحسنين ; كقوله : وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا [طه : 82] . وإنما ذكر : "قريب" على تأويل الرحمة بالرحم أو الترحم ، أو لأنه صفة موصوف محذوف ، أي : شيء قريب ، أو على تشبيهه بفعيل الذي هو بمعنى : "مفعول" كما شبه ذاك به ، فقيل : قتلاء وأسراء ، أو على أنه بزنة المصدر ، الذي هو النقيض والضغيب ، أو لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي .
قرئ : "نشرا" وهو مصدر نشر ، وانتصابه : إما لأن أرسل ونشر متقاربان ، فكأنه قيل : نشرها نشرا ، وإما على الحال بمعنى منتشرات ، و “ نشرا" جمع نشور ، و “ نشرا" تخفيف نشر ، كرسل ورسل .
وقرأ : " نشرا" ، بمعنى منشورات ، فعل بمعنى مفعول ، كنقض وحسب ، ومنه قولهم : " ضم نشره " ، وبشرا جمع بشير ، وبشرا بتخفيفه ، وبشرا - بفتح الباء - مصدر من بشره بمعنى بشره ، أي : باشرات ، وبشرى مسروق بين يدي رحمته : أمام رحمته ، وهي [ ص: 452 ] الغيث الذي هو من أتم النعم ، وأجلها ، وأحسنها أثرا ، "أقلت" : حملت ورفعت ، واشتقاق الإقلال من القلة ; لأن الرافع المطيق يرى الذي يرفعه قليلا سحابا ثقالا : سحائب ثقالا بالماء ، جمع سحابة ، "سقناه" : الضمير للسحاب على اللفظ ، ولو حمل على المعنى كالثقال لأنث ، كما لو حمل الوصف على اللفظ لقيل : ثقيلا ، "لبلد ميت" : لأجل بلد ليس فيه حيا ولسقيه .
وقرئ : "ميت" فأنزلنا به : بالبلد أو بالسحاب ، أو بالسوق ، وكذلك : فأخرجنا به . . . كذلك : مثل ذلك الإخراج ، وهو إخراج الثمرات نخرج الموتى لعلكم تذكرون فيؤديكم التذكر إلى أنه لا فرق بين الإخراجين ، إذا كل واحد منهما إعادة للشيء بعد إنشائه والبلد الطيب : الأرض العذاة الكريمة التربة والذي خبث : الأرض السبخة التي لا تنبت ما ينتفع به بإذن ربه : بتيسيره ، وهو في موضع الحال ، كأنه قيل : يخرج نباته حسنا وافيا ; لأنه واقع في مقابلة "نكدا" ، والنكد الذي لا خير فيه . وقرئ : يخرج نباته ، أي : يخرجه البلد وينبته . وقوله : والذي خبث : صفة لـ “البلد" ، ومعناه : والبلد الخبيث لا يخرج إلا نكدا ، فحذف المضاف الذي هو النبات ، وأقيم المضاف إليه الذي هو الراجع إلى البلد مقامه ، إلا أنه كان مجرورا بارزا ، فانقلب مرفوعا مستكنا ; لوقوعه موقع الفاعل ، أو يقدر : و “ نبات الذي خبث" .
وقرئ : " نكدا " ، بفتح الكاف على المصدر ، أي : ذا نكد ، ونكدا ، بإسكانها للتخفيف ; كقوله : نزه عن الريب ، بمعنى : نزه ، وهذا مثل لمن ينجع فيه الوعظ ، والتنبيه من المكلفين ، ولمن لا يؤثر فيه شيء من ذلك ، وعن مجاهد : آدم وذريته منهم خبيث وطيب .
وعن المؤمن سمع كتاب الله ، فوعاه بعقله ، وانتفع به ، كالأرض الطيبة أصابها الغيث فأنبتت ، والكافر بخلاف ذلك ، وهذا التمثيل واقع على أثر ذكر المطر وإنزاله بالبلد الميت وإخراج الثمرات به على طريق الاستطراد ، " كذلك " : مثل ذلك التصريف قتادة : نصرف الآيات : نرددها ونكررها لقوم يشكرون : نعمة الله وهم المؤمنون ، ليفكروا فيها ويعتبروا بها .
وقرئ : " يصرف " ، بالياء ، أي : يصرفها الله .